الاثنين، ١٨ ديسمبر ٢٠٠٦

ص 56 القصة الحقيقية وراء قصة المأخوذ

قصة القصة
المأخوذ


التقيت بالصديق الكريم الأسـتاذ فتحى الابيارى وأنا فى الطريق إلى " دار الكتب " .. وعلى درجات السلم تصافحنا ..

وسألنى :
ـ إلى أين ..؟
ـ إلى الحسابات ..
ـ لماذا ..؟
ـ لصرف المبلغ الذى تعرفه .. والذى سبق لك أن حدثت أستاذنا صلاح عنه ..
ـ إذن سأذهب معك .. والجميع أصدقائى ..
ـ يكفيك ما بذلته من جهد .. وأنت لا تزال فى دور النقاهة ..
ـ لا تذكرنى بالمرض .. وهيا ..

وانطلق يدفع الهواء بصدره فى الطرقة الطويلة ..

***

وفى قاعة الحسابات الفسيحة .. وجدت وجوها طيبة سمحة .. على خلاف المألوف فى دواوين الحكومة .. وقابلونا بالابتسـام والترحيب ..

وقال الابيارى :
ـ أين شيك الأستاذ .. له مدة ..
ـ لسنا السبب فى التأخير .. والاستمارة جاءت هذا الصباح .. وإن شاء الله .. يمر الأستاذ غدا فى أى وقت ويأخذ الشيك ..
وشكرناه وخرجنا ..

وفى الطرقة قال لى الابيارى ..
ـ سأنزل إلى المطبعة .. ولا تنس الغد ..

وصافحنه وخرجت إلى الشارع الطويل الذى كان قد ازدحم بالعربات الصغيرة والكبيرة وبالمارة .. إلى درجة تفقدك الاحساس بجمال المنظر فى النيل ..

وفى صباح اليوم التالى .. اتجهت إلى الدار .. ولم أجد فى القاعة الموظف الذى استقبلنا بالأمس .. وجدت مكانه موظفا آخر .. وحدثته عن الشيك ففتح درجا وقلب ونظر فى ربطة من الشيكات فلم يجد فيها اسمى ..

فقلت له أرجـو معاودة البحث .. لأنى على يقين من وجود الشيك ..

فتحرك بعـد هذا الكلام .. ورفع صوته إلى موظف فى أقصى القاعة :
ـ توفيق .. هل اسم الأستاذ .. فى الكشف الذى عندك ..؟
ـ نعم .. موجود ..

وعاد الموظف الأول الذى جلست أمامه .. يبحث فى الشيكات مرة أخرى .. فوجد الشيك الخاص بى .. فمده إلىّ مبتسما ..
وتناولته منه شاكرا .. وخرجت ..

وفى الطرقة عجبت .. ما كل هذه السماحة .. والثقة البالغة كل حد وكل تصور فى معاملة الإنسان لأخيه الإنسان .. انه لم يطلب منى بطاقة شخصية ولم يتأكد من شخصى .. ولم يكن يعرفنى ولم تربطنى به أية صلة .. فكيف يعطينى شيكا بمبلغ كبير كهذا .. دون أن يساوره الشك أو يطرق ذهنه الوسواس الذى يدور دوما فى ذهن موظفى الحسابات فى الدواوين ..

وظل العجب يدور فى رأسى نحو هذه الشخصية الإنسانية العديمة النظير .. والخالية من كل عقد .. والمتفتحة لحياة غير الحياة التى عشناها وألفناها ..

***

وفى الحال نبتت فى ذهنى بذور قصة المأخوذ .. وجعلت الموظف الذى سلمنى الشيك بطلا إنسانيا .. وحافظت على روحه الطيبة وسماحته .. ولم أجعله عرضة للأذى رغم ما وقع فيه من خطأ ملموس ..

ودارت القصة فى رأسى ودارت .. أياما وأياما .. وأصبح الشيك مكافأة عن مدة خدمة لشاب استقال من وظيفته فى أجهزة الدولة .. وأراد أن يهاجر ليوسع من رزقه ويؤسس حياته .. ولانشغاله بأمر السفر والهجرة وما فيهما من متاعب وعقد ، كلف صديقا له باستلام الشيك .. واستلم الصديق الشيك فعلا .. وفى طريقه ليلا إلى منزل صديقه المهاجر ، واختار ساعة الليل ليتأكد من وجوده لعلمه بانشغاله بأمور السفر ، علم من صاحبة البيت بموته فجأة وأنه نقل سريعا .. إلى قريته .. القريبة من الجيزة ..

وجعلت قرية المهاجر .. " مزغونة " وهى قرية صغيرة على مسافة قريبة من الجيزة .. كنت أمر عليها كلما ركبت قطار الصعيد .. ونزلت فيها وعرفت مسالكها ..

وجعلت صاحبة البيت وهى امرأة متناهية فى الطيبة والرحمة .. تشير على أهل المهاجر ، بعد أن ابلغتهم بموته الفجائى .. بنقله سريعا كأنه حى تفاديا من التعقيدات والعذاب والجشع الذى يلاقيه أهل الميت .. لو نقلوه كميت .. فى بلد كالقاهرة .. تطحن الطواحين ..

وهذه السيدة بلمساتها الانسانية سكنت أنا فى بيتها فى حى عابدين وكانت أرمل .. توفى عنها زوجها الذى كان يعمل فى سراى عابدين .. ومعظم البيوت فى قطاع كبير من هذا الحى يمتلكه من يعملون فى السراى ..

وكانت لطيبتها وإنسانيتها موضع الحب من سكان البيت وأهل الحى ..

ولهذا جعلتها بطلة لها دورها الفعال فى القصة .. فقد نقلت الميت فى سيارتها وقائد السيارة ابنها .. نقلته كأنه حى وعجلت بذلك فى الليل لتريح أهله من عذاب طويل ..

***

وفى مطعم نظيف هادىء كنت آكل فيه نقلته بكل صورته والفتاة التى تعمل فيه .. إلى جو القصة ..

وقد استغرقت منى هذه القصة أكثر من شهر .. على الرغم من أن أبطالها وكل العناصر التى فيها مرت بى ..
فلم أخترع شخصية ولم أكتب من فراغ ..

وقد زاملنى فى أحداثها الزميل الكريم الأستاذ فتحى الابيارى ولهذا يسعدنى أن أهديها لمجلته ..


====================================
*
نشرت قصة القصة فى مجلة عالم القصة ـ العدد 15 ـ يوليو .. أكتوبر 1984
* نشرت قصة " المأخوذ " بصحيفة مايو فى 16 و 23/11/1981 وأعيد نشرها فى كتاب " قصص من القاهرة " مكتبة مصر
====================================
قصة المأخوذ منشورة على الرابط

هناك تعليق واحد:

عصام منصور يقول...

رائعة .. و بالمناسبة انا كاتب ناشئ و هذا الرابط الخاص بى ekteb_ya_man.blogspot.com