الكتابة فى المجلات والصحف
* م. صوت الإسلام .
* م. الرسالة .
* م. العروسة .
* م. العصور .
* م. كليوباترا .
* ص. أخبار اليوم .
* ص. الزمان .
* نادى القصة .
* مجمع اللغة العربية .
* ص. الجمهورية .
* م. الجيل .
* ص. الشعب .
==============
مجلة صوت الإسلام
حينما جاء محمد على غريب من مدينة أسيوط إلى القاهرة وعمل فى مطبعة الرسول بباب الخلق ، غاب فى زحمة المدينة ويتقدم وأخذ اسمه يلمع ، فكان يحرر فى معظم المجلات الأسبوعية التى كانت تظهر فى ذلك العهد ، وأصدر مجلة صوت الإسلام واتخذ لها إدارة مشتركة مع مجلة الراديو عام 1935 .
وأراد أن يجدد فى المجلة فطلب من البدوى قصة دينية فكتب له قصة بعنوان "دمعة" ونشرت بالعدد السابع فى 11/5/1935 ، وبعدها كتب قصة عن "عبد الرحمن القس" ونشرت بالعدد الثامن فى 18/5/1935 . وبالعدد التاسع نشرت للبدوى قصة كتبها وسماها الأعمى ، وعن ظروف كتابة هذه القصة وكيف نبتت فى رأسه فكرة كتابتها ..
يقول البدوى " كنت أعمل فى ميدان لاظوغلى .. وأسكن فى الحلمية الجديدة .. وأقطع المسافة بين هاتين الجهتين بأقصر الطرق .. فأخرج من ميدان لاظوغلى وأمشى فى حوار متعرجة .. حارة عمر شاه .. حارة قواوير.. حارة .. وهكذا حتى أخرج إلى درب الجماميز .. ومنه أتجه إلى الحلمية الجديدة .. وذات يوم فى ساعة العصر .. سمعت الأذان .. وأنا فى قلب هذه الحوارى .. وجاء فى مواجهتى أعمى .. ذكرنى بأعمى فى قريتى كان يعمل على بئر المسجد "ملا" كما كان مؤذنا .. والمسجد كنت أدرس فيه فى الكتاب وأنا صبى صغير وأصلى فيه الفجر .. وأرى فيه النساء فى ساعة الفجر يملأن الجرار من بئر المسجد قبل أن يطلع النور ..
عادت هذه الصورة إلى باصرتى .. وابتدأ ذهنى يعمل وأنا فى هذه الحوارى رائحا غاديا كل يوم .. وبعد أسبوعين اكتملت القصة فى ذهنى وكتبتها " ..
===========
مجلة الرسالة
حمل محمود البدوى المجموعة القصصية "رجل" عام 1936 وذهب إلى مجلة الرسالة لينشر عنها إعلانا صغيرا بالمجلة .. ويقول : "وتناول أستاذى الزيات الكتاب الصغير فى يده .. وقلبه .. فلما وقع نظره على هذه القصة " الأعمى " .. سألنى عنها .. ووجد فيها جديدا ، وطلب منى أن ينشرها فى الرسالة .. ونشرها فعلا على عددين ..
وقد لمست صفات هذا الرجل الكريم ونبله .. لما حدثنى بعد ذلك عن كل المكالمات التليفونية التى تلقاها إعجابا بهذه القصة ، وشجعنى بهذا وفتح قلبى على مواصلة الطريق .. فأخذت أتابع النشر فى الرسالة ولولاه ما واصلت الكتابة .. ولا كتبت حرفا .. ولأصابنى العجز والضيق فى أول الطريق ..
وكانت رسالته رحمه الله رسالة الرسالات ، وقد عجزت الدولة من بعده بكل إمكانياتها أن تخرج مثلها ، فالعمل الأدبى إخلاص وتضحية ولا يزيد ولا ينقص بعدد الأشخاص الذين يتولونه وكان هذا الرجل عظيما جدًا ، وقد تعلمت منه أشياء كثيرة .. لعل أهمها الصبر والجلد فى العمل .
* * *
ويقول البدوى " وكانت بداية اتصالى به ومعرفتى به عن قرب وعلى الأخص بعد أن انتقل من شارع حسن الأكبر إلى ميدان العتبة فوق محل الفرنوانى ، وأخذ فى إصدار مجلة الرواية بجانب الرسالة.. .
فكان يصدر المجلتين معا ويتولى وحده تصحيحها ومراجعة البروفات وكل عمل الإدارة والمطبعة والإعلانات .
وزرته ذات مساء فوجدته يراجع البروفات على الفصل الأول من يوميات نائب فى الأرياف لأستاذنا توفيق الحكيم .. وكان فخورا بهذه الرواية إلى أقصى مدى ، وأشفقت على تعبه وهو يقرأ النص ويراجع حروف المطبعة معا، فاستأذنته أن أعينه .. وجلست أمامه .. وأخذت أقرأ النص بصوت عال ــ وأخاف الخطأ ــ وهو يراجع على البروفة المطبوعة ويصحح بدقة متناهية وصبر عجيب .
ومر الوقت بنا حتى ولى نصف الليل ، وما شاهدته فى أثناء هذه الجلسة الطويلة دخن سيجارة ولا شرب فنجانا من القهوة ..
وكان من أصدقائه الذين أراهم فى المجلة على فترات متقاربة الدكتور توفيق يونس والشيخ زناتى والأستاذ محمود الخفيف .
وكان هناك ثالوث منا نحن الشباب يكتب فى المجلة ويعتز بها ويتردد عليها يوميا فى فترة ما ، الدكتور حسن حبشى والأستاذ فتحى مرسى وأنا ، نكتب المقال والقصة والشعر . وانضم إلينا رابع الأستاذ .. إبراهيم طلعت .. الشاعر الثائر .. وكان قد أخذ ينشر قصائده .. وشاهدت بعد ذلك فى المجلة من جاء ليعاون أستاذنا الزيات فى عمله الذى اتسع ، وكان منهم الصديق الكريم الأستاذ عباس خضر وواصلت النشر على فترات متقاربة ومتباعدة تبعا لظروف الحياة وأثرها فى نفس الكاتب .
وبعد النشر فى مجلة الرسالة بدأت أنشر فى معظم الصحف والمجلات المصرية تقريبا الأهرام والشعب والجمهورية والمساء وأخبار اليوم والجيل وآخر ساعة ولم أتوقف عن النشر إطلاقا .. ولم أشعر باليأس إطلاقا .
============
مجلة العروسة
فى بداية عام 1938 كان البدوى جالسا فى قهوة بور فؤاد مع الأديب هلال شتا ويعمل فى مجلس النواب ، والشاعرين إبراهيم طلعت وفتحى مرسى وهما من الصحبة المختارة له فى مجلة الرسالة .. وفى عقولهم أحلام الصبا والتفتح والخلود الأدبى ، وكان الجو فى مصر يوحى كله بالتفتح الأدبى .
ويقول :
" لا أدرى كيف وقع علينا الأخ " طلبة " الاسم مستعار .. ومن أى كوكب هبط .. وكان الأخ طلبه يعمل مندوبا للإعلانات فى الصحف المصرية وكان كثير الحركة دؤوبا متنقلا يقع على فريسته من أول جولة .. وكنا فى مجلسنا فى مقهى بور فؤاد .. عندما جاءنا ذات مساء وقال لنا إن دار اللطائف قررت إعادة إصدار مجلة العروسة بعد إحتجابها الطويل وعهدت إليه هو أن يختار هيئة التحرير ..
وقد اختارنا وهو على يقين بأننا لن نرفض هذه الفرصة الذهبية .. وعودتها محررة بأقلامنا ستكون إنتصارًا لنا ونحن فى بواكير الشباب ، ويعرف أننا جميعا من أدباء الشباب المشتعلين حماسة للكتابة والنشر .. وفينا شاعران .. فتحى مرسى .. وإبراهيم طلعت .. وأديبان .. هلال شتا وأنا ..
ووافقنا نحن الأربعة على العرض من أول جلسة فى المقهى ولم نحدد الأجر.. ولكنا اشترطنا شرطا قاطعا وهو أن لا يتدخل أحد فى الدار مهما تكن صفته فى تحرير المجلة .. ووافقوا على ذلك .
وفى مساء اليوم التالى إجتمعنا وذهبنا إلى الدار .. وكانت فى عمارة بباب اللوق بجوار محطة حلوان .. وصعدنا إلى مقر المجلة .
وكان المقر جميل التنسيق ونظيفا والحجرات واسعة والمكاتب أنيقة ولاحظنا لافتات بصيغة الأمر على الحوائط والأبواب .. لا تدخن فى المصعد .. لا تفتح باب المصعد أثناء حركته .. إضغط على الزر هكذا .. لا تشد السيفون بعد الساعة .. وكثير غير ذلك من الأوامر والمحظورات ..
ولما كان مقر المجلة نظيفا ومرتبا ورائع التنسيق فإن هذه اللافتات لم تضرنا فى شىء .. وإن أضحكتنا .. ولكن أثرها كان واضحًا وبارز النتيجة ، فدور الصحف التى دخلناها قبل هذه الدار كانت مثالاً للفوضى وسوء النظام ، فالمطبوعات ملقاة على الأرض ، والمكاتب يعلوها الغبار ، والنوافذ والأبواب فى غاية القذارة .. فلماذا نضحك على النظام ..؟
وبدأ العمل من جانبنا فى إخراج المجلة وتحريرها .. وكان عندهم فى الأرشيف مجموعة طيبة من الصور .. فأخذنا نختار ما يلائم العروسة .. وبرز التجديد والابتكار واضحين فى طريقة عرض الصور وفى التحرير .
وكنا نشترى المجلات الأجنبية من القروش التى فى جيوبنا علاوة على المجلات التى عندهم وما أكثرها .. لنتخذ منها المثل .. ولنثبت وجودنا كمحررين مجددين نحمل الذوق الفطرى إلى التجويد والتطور ..
واخترنا الموضوعات السهلة وترجمنا الجيد السهل مما يهم المرأة فى زينتها وحياتها اليومية ..
وصدر العدد الأول .. وكان من الأعداد الجميلة .
وكان العدد الثانى معدا .. ولكنا إشترطنا أن نتفق على الأجر وأن نقبض ثمن العدد الأول قبل صدور العدد الثانى .. وحدثنا مندوب الإعلان بذلك ونحن فى مكاننا من المقهى .. ورأى الإصرار فى وجوهنا ، فغاب عنا يومين وفى اليوم الثالث دس فى يد أحدنا ظرفا مغلقا وشرب القهوة وخرج .. ولما بارح المقهى فتحنا الظرف وإذا بداخله ورقة واحدة بخمسين قرشا .. وبهتنا .. ولكنا ضحكنا بعد المفاجأة كثيرا.
فقد خدعنا الملعون بنذالة ، وأخذنا نفكر فى تقسيم المبلغ .. ورأينا أن نعطيه لمن يدخن منا نحن الأربعة .. ولما أدركوا أننى سأصبح المظلوم الوحيد .. عدلوا عن ذلك وتعشينا بالمبلغ من كباب الحسين وشربنا الشاى وفاض منه فيض تصدقنا به .. وافترقنا بعد العشاء .
* * *
مجلة العصور
كان البدوى يتردد يوميا فى وقت ما على مجلة الرسالة ، فقد كان يكتب القصة والمقال وكان الزوار من الأدباء والشعراء قلة ، ولأن معظم المقالات ترد إلى المجلة بالبريد . وهناك التقى بالأستاذ محمود محمد شاكر ، وتفتحت نفسه له وتعدد اللقاء بينهما .. يزوره فى بيته بمصر الجديدة مع القلة من أصدقائه الأدباء والشعراء ، يتحدثون عن الأدب ورجاله .
وفى نهاية عام 1938 فجأة ودون تمهيد وجد الأستاذ شاكر يحدثه عن إصدار مجلة أدبية .
ويقول .. " ولا أدرى متى نشأت فى رأسه هذه الفكرة واختمرت إلى حيز التنفيذ .
والأستاذ شاكر إذا فكر فى شىء يندفع إليه بقوة .. عرفنى أنه قابل الأستاذ إسماعيل مظهر واتفق معه على معاودة إصدار مجلة "العصور" وبقوة الصاروخ وانطلاقه وجدته يجمع المقالات ويعد العدة لإصدار المجلة .
وكنا نجتمع فى قهوة بورفؤاد .. وطلب منى قصة .. وكتابة القصة تستغرق منى وقتا طويلا قد يصل إلى شهر أو أقل أو أكثر .. حسب حالتى النفسية وتجاربى السابقة .. وهضم هذه التجارب والانفعال بها .. وخشيت ألا أستجيب لطلبه .. فأشعر بوخز ضمير شديد الوقع .
ووفقنى الله فى كتابة قصة .. وقرأها وأنا جالس معه فى القهوة .. وتناقشنا فى بعض ألفاظها وهو دقيق للغاية فى سلامة التراكيب واختيار الألفاظ المناسبة للمعانى .. وقد تعلمت منه اختيار اللفظ الذى يرسم الصورة الذهنية الدقيقة فى رأس القارئ .. ويرسمها بوضوح دون غموض أو لبس .
وفى الجلسات التالية .. جاء معه المرحوم سعيد العريان وكان الأستاذ شاكر قد اتفق على طبع المجلة فى مطبعة مجلة الإسلام وصاحبها أمين عبد الرحمن .. فانتقلنا إلى المطبعة بشارع محمد على ..
وكنت أشعر بسعادة غامرة .. وأنا أشاهد دوران المطبعة عن قرب .. وخروج الملازم مطبوعة .. والأستاذ شاكر مستبشر ضاحك .. وسعيد العريان يبتسم فى وداعة واستبشار .. والسعادة بادية فى الجو كله على وجه الطابع والناشر وصاحب المجلة الجديدة .
وكنا نحن الثلاثة نكتب فى مجلة الرسالة .. ولم نشعر قط بوخز الضمير فقد كان الجو الأدبى يتسع لعشرات المجلات الأدبية .
ولكنا علمنا أن أستاذنا الزيات تأثر .. وتضايق وخشى من المنافسة .. لأن العصور أخذت الكثير من كتاب الرسالة .
وصدر العدد الأول من مجلة العصور فى عهدها الجديد ورئيس تحريرها الأستاذ شاكر .. صدر فى طباعة جميلة وإخراج أجمل ومقالات قيمة .. ونفد المطبوع جميعه وزادت فرحة الأستاذ شاكر فلم يكن يتوقع مثل هذا الانتصار .
وأخذ يعد العدة بكل طاقته للعدد الثانى .. وكان المرحوم سعيد العريان أكثرنا فرحا .. وكان هو الذى يراجع بروفات الطبع .. وقرأ قصتى وأبدى رأيه فيها ..
علمنا أن الزيات تضايق من صدور مجلة "العصور" ولم نكن نفكر فى هذا قط ولا نتوقعه لأن الجمهور كان يقبل على قراءة المجلات الأدبية بشكل مثير .
ولم يكن الأستاذ شاكر من طبعه التراجع فأقبل على إصدار العدد الثانى بالحماس الذى صدر به العدد الأول ، وفى نفس المطبعة ونفد العدد الثانى كما نفد العدد الأول .
ولسبب لا أعرفه أنا ولا المرحوم سعيد العريان لم يصدر العدد الثالث من مجلة العصور .. وكانت صدمة تلقيناها بالصبر والتأمل ككل الصدمات فى حياتنا .
* * *
مجلة كليوباترا
كان محمود البدوى ومجموعة من الأصدقاء بالحسين وبعد العشاء إفترق كل منهم إلى حاله .. ورأى أن يذهب إلى بيته ماشيا يستمتع بقاهرة المعز الجميلة فى هدأة الليل .. ويقول "كنت أسكن فى شارع قدرى بالسيدة .. فرأيت أن أمشى من الغورية إلى المغربلين ثم اخترق شارع محمد على إلى الحلمية الجديدة ومنها إلى شارع قدرى .
وكان رأسى يشتعل بقصة رأيت أن أكمل خطوطها فى رأسى وأنا سائر فى الليل قبل تسطيرها على الورق .. ويسهل على ذهنى ذلك وأنا أسير وحدى .. وفى الصباح بدأت فى كتابة القصة ، وكان الجو حارًا بالغ الحد فى حرارته .. ومع ذلك واصلت الكتابة لأن القصة كانت تجربة قاسية فى عربة من عربات الموتى فى الليل والظلام والوحشة والكآبة .
وكانت الكآبة تلفنى وأنا أكتب .. فحاولت التخلص منها بالكتابة ولهذا واصلت العمل حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ...
وسمعت وأنا أكتب نقرا على الباب .. فتحركت إليه .. وفتحته ..
ووجدت عاشور عليش على الباب .. وكانت هذه أول زيارة له .. واللقاء الثانى بيننا .. ودخلنا إلى المكتب .. ووجدنى أكتب ..
فسألنى :
ــ قصة جديدة ..؟
ــ أجل !
ــ وأنا جاى عاوز قصة .
وفهمت من عاشور أن جريدة يومية كبرى .. تريد أن تخرج مجلة إسبوعية على غرار مجلة آخر ساعة .. وعهدت إليه مع صحفى آخر بجمع مواد هذه المجلة الجديدة وإخراجها ..
وسألته :
وما اسم هذه المجلة الجديدة ..؟
ــ كليوباترا
ــ ومتى ستصدر ..؟
ــ فى أول الشهر ..
ــ هكذا بسرعة .... انتهى الأمر إلى هذا ...
وأنا لا أحب أن تقلد مجلة أخرى .. والمجلات التى خرجت لتقلد من قبلها .. لم تعش طويلا وماتت .
وأعطيته بعد يومين القصة التى كنت أكتبها .. وصدرت المجلة ونشرت القصة برسم جميل يعبر عنها .. ولكنى شعرت بغصة فى حلقى وأنا أقرأ الجزء الأخير منها .. فقد حدث خلط فى الجمع والتوضيب .. تقدمت فقرات من القصة على فقرات ..
وأصبحت القصة فى نظرى غير مفهومة .. ولكن هذه الحساسية الشديدة نحو القصة لم يلاحظها سواى لأنى المؤلف .. أما القراء وحتى عاشور .. الذى اعتاد على مثل هذا الخلط .. لم يلاحظ شيئا ذا بال غير من صلب القصة .. أما أنا فقد بقيت مرتاعًا إلى أن نشرت القصة على وجهها الصحيح فى كتاب " العربة الأخيرة " .
وكنت بالإسكندرية يوم صدر العدد الأول من مجلة كليوباترا الذى نشرت فيه القصة ، وقابلت هناك مصادفة فى محطة الرمل المرحومين هلال وغريب .. ولم يلاحظا سرورى بالقصة .
وقال غريب لهلال :
ــ محمود هكذا أبدا .. لا يدرك الجيد الذى يكتبه قط وقد يعجب بأقل القصص قدرا .. ولكن الجيد المميز لا يدركه أبدا .. ويظل فى وسواسه ..
وكان حقا ما يقول .. فما أعجبت بشىء كتبته قط .. وقد يأتى الإعجاب عرضا لفترة قصيرة ثم يذهب لأن القصة كتبت فى جو كنت أحبه .. أو أن أشخاص القصة لهم أثر فى نفسى .. وتريحنى القصة بعد كتابتها ونشرها راحة نفسية مطلقة ، ثم ما يلبث أن يعاودنى القلق مما أحس فيها من قصور ونقص لم أدركه ساعة الكتابة وقبل النشر وأظل فى هذه الدوامة المعذبة أدور .. وأدور " .
============
* م. صوت الإسلام .
* م. الرسالة .
* م. العروسة .
* م. العصور .
* م. كليوباترا .
* ص. أخبار اليوم .
* ص. الزمان .
* نادى القصة .
* مجمع اللغة العربية .
* ص. الجمهورية .
* م. الجيل .
* ص. الشعب .
==============
مجلة صوت الإسلام
حينما جاء محمد على غريب من مدينة أسيوط إلى القاهرة وعمل فى مطبعة الرسول بباب الخلق ، غاب فى زحمة المدينة ويتقدم وأخذ اسمه يلمع ، فكان يحرر فى معظم المجلات الأسبوعية التى كانت تظهر فى ذلك العهد ، وأصدر مجلة صوت الإسلام واتخذ لها إدارة مشتركة مع مجلة الراديو عام 1935 .
وأراد أن يجدد فى المجلة فطلب من البدوى قصة دينية فكتب له قصة بعنوان "دمعة" ونشرت بالعدد السابع فى 11/5/1935 ، وبعدها كتب قصة عن "عبد الرحمن القس" ونشرت بالعدد الثامن فى 18/5/1935 . وبالعدد التاسع نشرت للبدوى قصة كتبها وسماها الأعمى ، وعن ظروف كتابة هذه القصة وكيف نبتت فى رأسه فكرة كتابتها ..
يقول البدوى " كنت أعمل فى ميدان لاظوغلى .. وأسكن فى الحلمية الجديدة .. وأقطع المسافة بين هاتين الجهتين بأقصر الطرق .. فأخرج من ميدان لاظوغلى وأمشى فى حوار متعرجة .. حارة عمر شاه .. حارة قواوير.. حارة .. وهكذا حتى أخرج إلى درب الجماميز .. ومنه أتجه إلى الحلمية الجديدة .. وذات يوم فى ساعة العصر .. سمعت الأذان .. وأنا فى قلب هذه الحوارى .. وجاء فى مواجهتى أعمى .. ذكرنى بأعمى فى قريتى كان يعمل على بئر المسجد "ملا" كما كان مؤذنا .. والمسجد كنت أدرس فيه فى الكتاب وأنا صبى صغير وأصلى فيه الفجر .. وأرى فيه النساء فى ساعة الفجر يملأن الجرار من بئر المسجد قبل أن يطلع النور ..
عادت هذه الصورة إلى باصرتى .. وابتدأ ذهنى يعمل وأنا فى هذه الحوارى رائحا غاديا كل يوم .. وبعد أسبوعين اكتملت القصة فى ذهنى وكتبتها " ..
===========
مجلة الرسالة
حمل محمود البدوى المجموعة القصصية "رجل" عام 1936 وذهب إلى مجلة الرسالة لينشر عنها إعلانا صغيرا بالمجلة .. ويقول : "وتناول أستاذى الزيات الكتاب الصغير فى يده .. وقلبه .. فلما وقع نظره على هذه القصة " الأعمى " .. سألنى عنها .. ووجد فيها جديدا ، وطلب منى أن ينشرها فى الرسالة .. ونشرها فعلا على عددين ..
وقد لمست صفات هذا الرجل الكريم ونبله .. لما حدثنى بعد ذلك عن كل المكالمات التليفونية التى تلقاها إعجابا بهذه القصة ، وشجعنى بهذا وفتح قلبى على مواصلة الطريق .. فأخذت أتابع النشر فى الرسالة ولولاه ما واصلت الكتابة .. ولا كتبت حرفا .. ولأصابنى العجز والضيق فى أول الطريق ..
وكانت رسالته رحمه الله رسالة الرسالات ، وقد عجزت الدولة من بعده بكل إمكانياتها أن تخرج مثلها ، فالعمل الأدبى إخلاص وتضحية ولا يزيد ولا ينقص بعدد الأشخاص الذين يتولونه وكان هذا الرجل عظيما جدًا ، وقد تعلمت منه أشياء كثيرة .. لعل أهمها الصبر والجلد فى العمل .
* * *
ويقول البدوى " وكانت بداية اتصالى به ومعرفتى به عن قرب وعلى الأخص بعد أن انتقل من شارع حسن الأكبر إلى ميدان العتبة فوق محل الفرنوانى ، وأخذ فى إصدار مجلة الرواية بجانب الرسالة.. .
فكان يصدر المجلتين معا ويتولى وحده تصحيحها ومراجعة البروفات وكل عمل الإدارة والمطبعة والإعلانات .
وزرته ذات مساء فوجدته يراجع البروفات على الفصل الأول من يوميات نائب فى الأرياف لأستاذنا توفيق الحكيم .. وكان فخورا بهذه الرواية إلى أقصى مدى ، وأشفقت على تعبه وهو يقرأ النص ويراجع حروف المطبعة معا، فاستأذنته أن أعينه .. وجلست أمامه .. وأخذت أقرأ النص بصوت عال ــ وأخاف الخطأ ــ وهو يراجع على البروفة المطبوعة ويصحح بدقة متناهية وصبر عجيب .
ومر الوقت بنا حتى ولى نصف الليل ، وما شاهدته فى أثناء هذه الجلسة الطويلة دخن سيجارة ولا شرب فنجانا من القهوة ..
وكان من أصدقائه الذين أراهم فى المجلة على فترات متقاربة الدكتور توفيق يونس والشيخ زناتى والأستاذ محمود الخفيف .
وكان هناك ثالوث منا نحن الشباب يكتب فى المجلة ويعتز بها ويتردد عليها يوميا فى فترة ما ، الدكتور حسن حبشى والأستاذ فتحى مرسى وأنا ، نكتب المقال والقصة والشعر . وانضم إلينا رابع الأستاذ .. إبراهيم طلعت .. الشاعر الثائر .. وكان قد أخذ ينشر قصائده .. وشاهدت بعد ذلك فى المجلة من جاء ليعاون أستاذنا الزيات فى عمله الذى اتسع ، وكان منهم الصديق الكريم الأستاذ عباس خضر وواصلت النشر على فترات متقاربة ومتباعدة تبعا لظروف الحياة وأثرها فى نفس الكاتب .
وبعد النشر فى مجلة الرسالة بدأت أنشر فى معظم الصحف والمجلات المصرية تقريبا الأهرام والشعب والجمهورية والمساء وأخبار اليوم والجيل وآخر ساعة ولم أتوقف عن النشر إطلاقا .. ولم أشعر باليأس إطلاقا .
============
مجلة العروسة
فى بداية عام 1938 كان البدوى جالسا فى قهوة بور فؤاد مع الأديب هلال شتا ويعمل فى مجلس النواب ، والشاعرين إبراهيم طلعت وفتحى مرسى وهما من الصحبة المختارة له فى مجلة الرسالة .. وفى عقولهم أحلام الصبا والتفتح والخلود الأدبى ، وكان الجو فى مصر يوحى كله بالتفتح الأدبى .
ويقول :
" لا أدرى كيف وقع علينا الأخ " طلبة " الاسم مستعار .. ومن أى كوكب هبط .. وكان الأخ طلبه يعمل مندوبا للإعلانات فى الصحف المصرية وكان كثير الحركة دؤوبا متنقلا يقع على فريسته من أول جولة .. وكنا فى مجلسنا فى مقهى بور فؤاد .. عندما جاءنا ذات مساء وقال لنا إن دار اللطائف قررت إعادة إصدار مجلة العروسة بعد إحتجابها الطويل وعهدت إليه هو أن يختار هيئة التحرير ..
وقد اختارنا وهو على يقين بأننا لن نرفض هذه الفرصة الذهبية .. وعودتها محررة بأقلامنا ستكون إنتصارًا لنا ونحن فى بواكير الشباب ، ويعرف أننا جميعا من أدباء الشباب المشتعلين حماسة للكتابة والنشر .. وفينا شاعران .. فتحى مرسى .. وإبراهيم طلعت .. وأديبان .. هلال شتا وأنا ..
ووافقنا نحن الأربعة على العرض من أول جلسة فى المقهى ولم نحدد الأجر.. ولكنا اشترطنا شرطا قاطعا وهو أن لا يتدخل أحد فى الدار مهما تكن صفته فى تحرير المجلة .. ووافقوا على ذلك .
وفى مساء اليوم التالى إجتمعنا وذهبنا إلى الدار .. وكانت فى عمارة بباب اللوق بجوار محطة حلوان .. وصعدنا إلى مقر المجلة .
وكان المقر جميل التنسيق ونظيفا والحجرات واسعة والمكاتب أنيقة ولاحظنا لافتات بصيغة الأمر على الحوائط والأبواب .. لا تدخن فى المصعد .. لا تفتح باب المصعد أثناء حركته .. إضغط على الزر هكذا .. لا تشد السيفون بعد الساعة .. وكثير غير ذلك من الأوامر والمحظورات ..
ولما كان مقر المجلة نظيفا ومرتبا ورائع التنسيق فإن هذه اللافتات لم تضرنا فى شىء .. وإن أضحكتنا .. ولكن أثرها كان واضحًا وبارز النتيجة ، فدور الصحف التى دخلناها قبل هذه الدار كانت مثالاً للفوضى وسوء النظام ، فالمطبوعات ملقاة على الأرض ، والمكاتب يعلوها الغبار ، والنوافذ والأبواب فى غاية القذارة .. فلماذا نضحك على النظام ..؟
وبدأ العمل من جانبنا فى إخراج المجلة وتحريرها .. وكان عندهم فى الأرشيف مجموعة طيبة من الصور .. فأخذنا نختار ما يلائم العروسة .. وبرز التجديد والابتكار واضحين فى طريقة عرض الصور وفى التحرير .
وكنا نشترى المجلات الأجنبية من القروش التى فى جيوبنا علاوة على المجلات التى عندهم وما أكثرها .. لنتخذ منها المثل .. ولنثبت وجودنا كمحررين مجددين نحمل الذوق الفطرى إلى التجويد والتطور ..
واخترنا الموضوعات السهلة وترجمنا الجيد السهل مما يهم المرأة فى زينتها وحياتها اليومية ..
وصدر العدد الأول .. وكان من الأعداد الجميلة .
وكان العدد الثانى معدا .. ولكنا إشترطنا أن نتفق على الأجر وأن نقبض ثمن العدد الأول قبل صدور العدد الثانى .. وحدثنا مندوب الإعلان بذلك ونحن فى مكاننا من المقهى .. ورأى الإصرار فى وجوهنا ، فغاب عنا يومين وفى اليوم الثالث دس فى يد أحدنا ظرفا مغلقا وشرب القهوة وخرج .. ولما بارح المقهى فتحنا الظرف وإذا بداخله ورقة واحدة بخمسين قرشا .. وبهتنا .. ولكنا ضحكنا بعد المفاجأة كثيرا.
فقد خدعنا الملعون بنذالة ، وأخذنا نفكر فى تقسيم المبلغ .. ورأينا أن نعطيه لمن يدخن منا نحن الأربعة .. ولما أدركوا أننى سأصبح المظلوم الوحيد .. عدلوا عن ذلك وتعشينا بالمبلغ من كباب الحسين وشربنا الشاى وفاض منه فيض تصدقنا به .. وافترقنا بعد العشاء .
* * *
مجلة العصور
كان البدوى يتردد يوميا فى وقت ما على مجلة الرسالة ، فقد كان يكتب القصة والمقال وكان الزوار من الأدباء والشعراء قلة ، ولأن معظم المقالات ترد إلى المجلة بالبريد . وهناك التقى بالأستاذ محمود محمد شاكر ، وتفتحت نفسه له وتعدد اللقاء بينهما .. يزوره فى بيته بمصر الجديدة مع القلة من أصدقائه الأدباء والشعراء ، يتحدثون عن الأدب ورجاله .
وفى نهاية عام 1938 فجأة ودون تمهيد وجد الأستاذ شاكر يحدثه عن إصدار مجلة أدبية .
ويقول .. " ولا أدرى متى نشأت فى رأسه هذه الفكرة واختمرت إلى حيز التنفيذ .
والأستاذ شاكر إذا فكر فى شىء يندفع إليه بقوة .. عرفنى أنه قابل الأستاذ إسماعيل مظهر واتفق معه على معاودة إصدار مجلة "العصور" وبقوة الصاروخ وانطلاقه وجدته يجمع المقالات ويعد العدة لإصدار المجلة .
وكنا نجتمع فى قهوة بورفؤاد .. وطلب منى قصة .. وكتابة القصة تستغرق منى وقتا طويلا قد يصل إلى شهر أو أقل أو أكثر .. حسب حالتى النفسية وتجاربى السابقة .. وهضم هذه التجارب والانفعال بها .. وخشيت ألا أستجيب لطلبه .. فأشعر بوخز ضمير شديد الوقع .
ووفقنى الله فى كتابة قصة .. وقرأها وأنا جالس معه فى القهوة .. وتناقشنا فى بعض ألفاظها وهو دقيق للغاية فى سلامة التراكيب واختيار الألفاظ المناسبة للمعانى .. وقد تعلمت منه اختيار اللفظ الذى يرسم الصورة الذهنية الدقيقة فى رأس القارئ .. ويرسمها بوضوح دون غموض أو لبس .
وفى الجلسات التالية .. جاء معه المرحوم سعيد العريان وكان الأستاذ شاكر قد اتفق على طبع المجلة فى مطبعة مجلة الإسلام وصاحبها أمين عبد الرحمن .. فانتقلنا إلى المطبعة بشارع محمد على ..
وكنت أشعر بسعادة غامرة .. وأنا أشاهد دوران المطبعة عن قرب .. وخروج الملازم مطبوعة .. والأستاذ شاكر مستبشر ضاحك .. وسعيد العريان يبتسم فى وداعة واستبشار .. والسعادة بادية فى الجو كله على وجه الطابع والناشر وصاحب المجلة الجديدة .
وكنا نحن الثلاثة نكتب فى مجلة الرسالة .. ولم نشعر قط بوخز الضمير فقد كان الجو الأدبى يتسع لعشرات المجلات الأدبية .
ولكنا علمنا أن أستاذنا الزيات تأثر .. وتضايق وخشى من المنافسة .. لأن العصور أخذت الكثير من كتاب الرسالة .
وصدر العدد الأول من مجلة العصور فى عهدها الجديد ورئيس تحريرها الأستاذ شاكر .. صدر فى طباعة جميلة وإخراج أجمل ومقالات قيمة .. ونفد المطبوع جميعه وزادت فرحة الأستاذ شاكر فلم يكن يتوقع مثل هذا الانتصار .
وأخذ يعد العدة بكل طاقته للعدد الثانى .. وكان المرحوم سعيد العريان أكثرنا فرحا .. وكان هو الذى يراجع بروفات الطبع .. وقرأ قصتى وأبدى رأيه فيها ..
علمنا أن الزيات تضايق من صدور مجلة "العصور" ولم نكن نفكر فى هذا قط ولا نتوقعه لأن الجمهور كان يقبل على قراءة المجلات الأدبية بشكل مثير .
ولم يكن الأستاذ شاكر من طبعه التراجع فأقبل على إصدار العدد الثانى بالحماس الذى صدر به العدد الأول ، وفى نفس المطبعة ونفد العدد الثانى كما نفد العدد الأول .
ولسبب لا أعرفه أنا ولا المرحوم سعيد العريان لم يصدر العدد الثالث من مجلة العصور .. وكانت صدمة تلقيناها بالصبر والتأمل ككل الصدمات فى حياتنا .
* * *
مجلة كليوباترا
كان محمود البدوى ومجموعة من الأصدقاء بالحسين وبعد العشاء إفترق كل منهم إلى حاله .. ورأى أن يذهب إلى بيته ماشيا يستمتع بقاهرة المعز الجميلة فى هدأة الليل .. ويقول "كنت أسكن فى شارع قدرى بالسيدة .. فرأيت أن أمشى من الغورية إلى المغربلين ثم اخترق شارع محمد على إلى الحلمية الجديدة ومنها إلى شارع قدرى .
وكان رأسى يشتعل بقصة رأيت أن أكمل خطوطها فى رأسى وأنا سائر فى الليل قبل تسطيرها على الورق .. ويسهل على ذهنى ذلك وأنا أسير وحدى .. وفى الصباح بدأت فى كتابة القصة ، وكان الجو حارًا بالغ الحد فى حرارته .. ومع ذلك واصلت الكتابة لأن القصة كانت تجربة قاسية فى عربة من عربات الموتى فى الليل والظلام والوحشة والكآبة .
وكانت الكآبة تلفنى وأنا أكتب .. فحاولت التخلص منها بالكتابة ولهذا واصلت العمل حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ...
وسمعت وأنا أكتب نقرا على الباب .. فتحركت إليه .. وفتحته ..
ووجدت عاشور عليش على الباب .. وكانت هذه أول زيارة له .. واللقاء الثانى بيننا .. ودخلنا إلى المكتب .. ووجدنى أكتب ..
فسألنى :
ــ قصة جديدة ..؟
ــ أجل !
ــ وأنا جاى عاوز قصة .
وفهمت من عاشور أن جريدة يومية كبرى .. تريد أن تخرج مجلة إسبوعية على غرار مجلة آخر ساعة .. وعهدت إليه مع صحفى آخر بجمع مواد هذه المجلة الجديدة وإخراجها ..
وسألته :
وما اسم هذه المجلة الجديدة ..؟
ــ كليوباترا
ــ ومتى ستصدر ..؟
ــ فى أول الشهر ..
ــ هكذا بسرعة .... انتهى الأمر إلى هذا ...
وأنا لا أحب أن تقلد مجلة أخرى .. والمجلات التى خرجت لتقلد من قبلها .. لم تعش طويلا وماتت .
وأعطيته بعد يومين القصة التى كنت أكتبها .. وصدرت المجلة ونشرت القصة برسم جميل يعبر عنها .. ولكنى شعرت بغصة فى حلقى وأنا أقرأ الجزء الأخير منها .. فقد حدث خلط فى الجمع والتوضيب .. تقدمت فقرات من القصة على فقرات ..
وأصبحت القصة فى نظرى غير مفهومة .. ولكن هذه الحساسية الشديدة نحو القصة لم يلاحظها سواى لأنى المؤلف .. أما القراء وحتى عاشور .. الذى اعتاد على مثل هذا الخلط .. لم يلاحظ شيئا ذا بال غير من صلب القصة .. أما أنا فقد بقيت مرتاعًا إلى أن نشرت القصة على وجهها الصحيح فى كتاب " العربة الأخيرة " .
وكنت بالإسكندرية يوم صدر العدد الأول من مجلة كليوباترا الذى نشرت فيه القصة ، وقابلت هناك مصادفة فى محطة الرمل المرحومين هلال وغريب .. ولم يلاحظا سرورى بالقصة .
وقال غريب لهلال :
ــ محمود هكذا أبدا .. لا يدرك الجيد الذى يكتبه قط وقد يعجب بأقل القصص قدرا .. ولكن الجيد المميز لا يدركه أبدا .. ويظل فى وسواسه ..
وكان حقا ما يقول .. فما أعجبت بشىء كتبته قط .. وقد يأتى الإعجاب عرضا لفترة قصيرة ثم يذهب لأن القصة كتبت فى جو كنت أحبه .. أو أن أشخاص القصة لهم أثر فى نفسى .. وتريحنى القصة بعد كتابتها ونشرها راحة نفسية مطلقة ، ثم ما يلبث أن يعاودنى القلق مما أحس فيها من قصور ونقص لم أدركه ساعة الكتابة وقبل النشر وأظل فى هذه الدوامة المعذبة أدور .. وأدور " .
============
صحيفة أخبار اليوم
أول قصة تنشر للبدوى فى جريدة أخبار اليوم كانت بالعدد 109 بتاريخ 7/12/1946 تحت اسم " الشيخ عمران " وكتبها فى مقهى سفنكس الذى كان موجودًا أمام سينما راديو فى مكان ملىء بالحركة وحوله الناس . وكما يقول .. " لا أكاد أحس بما حولى من صخب فى المقهى الذى أجلس لأكتب فيه ، كلعب الطاولة .. أو الأصوات المرتفعة " فكلها تنفصل عنه فى لحظة الإبداع ، ويكتب على ورقة بيضاء وغير مسطرة ، وبالقلم الرصاص لأنه كثير التنقيح .
وعن ظروف كتابتها ونشرها .. يقول البدوى "تعودت على الكتابة فى المقهى .. ومن هناك يجىء الوحى .. وأشرع فى الكتابة بعد أن تكون القصة قد اكتملت فى رأسى تماما .. ولا بد أن يكون المكان مفتوحًا على الطريق .. لأشاهد منه المارة .. ولا أستطيع أن أكتب فى مكان مغلق كلمة واحدة ..
ولا بد أن تكون الشخصية صورة من شخصية التقيت بها وعشت معها .. وقد أغير وأبدل ولكن فى أقل الحدود .
وقد توحى إلىّ قصة قرأتها لتشيكوف أو غوركى أو ستويفسكى أو هيمنجواى أو موبسان بقصة .. ثم قصة .. ولكن لا بد أن يكون الجو قد لمسته وعرفته .. والشخصية قد التقيت بمثلها فى الحياة .. وقد يذكرنى حادث قرأته فى الصحف بشىء مستقر فى أعماقى .. ويخيل إلىّ أنى نسيته .. ولكن نشره فى الصحف يحركه ..
فعندما نشر حادث " الخط " تذكرت على الفور رجلاً فى قرية مجاورة لقريتى .. كنت ألتقى به كل مساء وأنا أتمشى على الجسر .. وكان الرجل مشهورًا فى المنطقة كرجل ليل ليس له من ضريب .. وكان أبرع من يصوب فى فحمة الليل ويصيب الهدف على بعد أميال .. لأن عينيه تخترقان حجب الظلام بشكل خارق .
وقد التقيت بهذا الرجل بعد أن قضى مدة العقوبة .. وتاب وأناب .. فوجدته قصيرا نحيفا ، خافت الصوت .. هادئ الطبع .. لا ينبئ ملامحه عن إجرام أو شر .. ولم يبق فيه إلا عينان حادتان متوهجتان كعينى الصقر .. وقلب شجاع لا يهاب الموت .
تذكرت هذا الرجل بعد أن قرأت حوادث "الخط" وأخذت أكون على مهل قصة "الشيخ عمران" .
وكتبت القصة فى مقهى " سفنكس" بشارع طلعت حرب .. ولما فرغت من كتابتها ، فكرت فى نسخها على الآلة الكاتبة لأن خطى ردىء للغاية ، وغلط المطبعة يشوه القصة تماما مهما كانت براعة الكاتب فى التصوير والسرد .
ومر أمامى فى لحظة التفكير هذه الأستاذ عاشور عليش ، وكنت قد عرفته بعد نشر كتابى "فندق الدانوب " وتوطدت بيننا صداقة قوية .. فسلم وجلس وقرأ القصة وأعجب بها .
ولما حدثته عن كتابتها على الآلة الكاتبة ..
قال على الفور .. فى شهامة ..
ــ خطى أحسن من الماكينة .. فهيا وأملى ..
وهو سريع الحركة .. وأخرجنا الورق وجلس يكتب بخطه الجميل حتى دخل علينا الليل ونحن على "القهوة" دون طعام أو شراب .. نسينا ذلك واستغرقتنا القصة حتى انتهينا من كتابتها .. ومزقنا المسودة التى كنت أملى منها .. وطوينا الورق والصحف .. وسرنا إلى مكان نأكل فيه ..
وفى المطعم ، وضعت الأوراق والمجلات التى أحملها فوق كرسى .. فسقطت مجلة وتكشفت الأوراق .. فنظرت فيها فلم أجد القصة ، فشعرت على التو بخنجر يمزق قلبى ، واسودت عيناى من الحزن .. وخرجنا من المطعم دون أن نأكل ، نبحث فى الشوارع التى سرنا فيها عن القصة .. وقلبى بعد كل خطوة يزداد غما وكربا ..
شعرت بأن كنزا من كنوز الدنيا فقد منى فى لحظة نحس .. لا يد لى فيها.. وما كتبته لا أستطيع أن أعيد كتابة سطر واحد منه .. فالحالة النفسية للكاتب لها الاعتبار الأول فيما يكتب .
وظللنا نحدق على الأرصفة بعيون مفتوحة ، كأننا نبحث عن جنيهات من الذهب قد سقطت منا .. حتى وصلنا إلى "القهوة" وهناك وجدنا "القصة" تحت المنضدة التى كنا نجلس إليها .. وشعرت بفرحة لم أشعر بمثلها فى حياتى ..
وأعطيت القصة للأستاذ محمد على غريب رحمه الله فنشرها فى أخبار اليوم " .
* * *
صحيفة الزمان
يقول البدوى :
" لما توقفت مجلة الرسالة بسبب الحرب .. أخذت أنشر فى بعض الصحف اليومية .. وعرفت عاشور عليش وبعده سليمان مظهر وعبد العزيز الدسوقى .. وكان الثلاثة فى جريدة الزمان يشرفون على الصفحة الأدبية .
وقد قضيت معهم صحبة طيبة عامرة بالنشاط .. فالثلاثة أدباء قبل أن يكونوا صحفيين وخلت نفوسهم من العقد .
ومع أنى كنت أنشر فى الزمان من غير أجر إطلاقا ، ولكن وجود هؤلاء فى الصحيفة جعلنى فى أتم حالات الرضى النفسى وكنت أحس بوجودى كأديب وكاتب قصة ، وما شعرت معهم إلا بالوفاق والتشجيع على مواصلة السير فى طريقى ".
===========
نادى القصة
تأسس نادى القصة فى 25 مارس 1953 ورئيسه الدكتور طه حسين وكان مقر النادى فى ذلك الوقت فى ميدان التحرير وسكرتيره هو الأستاذ الأديب يوسف السباعى ..
يقول البدوى :
" كان أستاذنا توفيق الحكيم يحضر بعصاه وغطاء رأسه وعلى وجهه الصمت والتأمل ، كما كان يحضر فريد أبو حديد .. ويحيى حقى .. وإحسان عبد القدوس صاحب فكرة النادى ، وهو الذى عندما راودته الفكرة عرضها على يوسف السباعى فنفذها هذا سريعا بطريقته التى لا يشوبها التردد " .
" حملت معى إلى نادى القصة ذات مساء مجموعة قصص صدرت لى حديثا "حدث ذات ليلة " وكان فى النادى طه حسين .. وتوفيق الحكيم .. ويوسف السباعى .. وعبد الحميد السحار .. وغراب .. فأهديت نسخة إلى طه حسين ومثلها إلى توفيق الحكيم .. وتركت الثلاث نسخ الباقية على مكتب يوسف السباعى ..
وفى الأسبوع التالى .. جاء الدكتور طه إلى النادى وسلمت عليه مع المسلمين ، وبعد أن استراح قليلا أخذ يتحدث عن قصص المجموعة .. ويلخص كل قصة فى إيجاز فيه كل اللمحات الإنسانية .. مع التركيز على لب القصة ومحورها .. وقد شكرته فى خجل شديد .. وأنا مذهول من هذه الذاكرة الفذة .. فقد كان يسرد وقائع نسيتها وأنا كاتبها .
ولما صدرت لى "مجموعة العربة الأخيرة " رأى غراب أن أهديها للدكتور أيضا .. فأهديتها له .. وحمل إلى أمين فى نفس الأسبوع كتاب "الفتنة الكبرى" للدكتور ردًا على هديتى .
وتحدث الدكتور طه بعد ذلك بسنوات فى الإذاعة عن بعض الأدباء وكتاب القصة الجدد ولم أسمعه .. وحدثنى من سمعه أنه عندما أراد أن يذكر اسمى .. كان قد نسيه .. فقال محمود الـ .. الـ .. الـ .. البدوى ونطق البدوى بعد ثوان من التوقف ..
وكان لقائى الأول مع طه حسين فى النادى كما أسلفت .. واللقاء الأخير فى بيته عندما مرض ، ورأى المرحوم يوسف السباعى أن يجتمع مجلس إدارة النادى فى بيت الدكتور بالهرم ، وكان ذلك فى آخر أيامه رحمه الله ".
=================
مجمع اللغة العربية
صدرت المجموعة القصصية الخامسة لمحمود البدوى " حدث ذات ليلة " عن دار مصر للطباعة سنة 1953 .
سجل محمود عليها وكتب بخط يده على الصفحة الأولى "مقدمة إلى مجمع اللغة العربية للاشتراك فى مسابقة الأقصوصة لسنة 1954 / 1955 "محمود البدوى 4/3/1954" .
وسجل بعد ذلك "انسحبت من هذه المسابقة بعد شهر 4/4/54"
ولا أحد يعرف سبب إنسحابه من المسابقة ، وربما يكون ذلك راجعا كما كان يقول دائما ويردد : "إن جسمى وروحى لا يتحملان رد فعل فيه رفض من أى إنسان" .
===============
صحيفة الجمهورية
يقول البدوى :
" كان يتردد على نادى القصة الكثير من الأدباء البارزين .. وذات ليلة دخل من الباب الدكتور عبد الحميد يونس ومعه صديقه ومرافقه محمد حموده .. وكان الدكتور عبد الحميد قد أسند إليه الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة الجمهورية .. ورأى أن يتوج هذه الصفحة بنشر قصة قصيرة فيها ، وأدرك بحاسته السادسة أن أحسن مكان يلتقى فيه بالقصاصين هو ناديهم .. وعرض الفكرة فى إيجاز وطلب من الموجودين جميعا قصصا وقدمت له فى اللقاء الثانى قصة باسم "لجنة الشباك" وأنا لا أتصور أنها ستنشر لأنها تحمل سخرية مرة قاسية بهذه اللجان التى تشكلها أجهزة الدولة وتشل كل مشروعاتها النافعة بل تقتلها إلى الأبد .. والضحية من هذه اللجان دائما الشعب المسكين .
ولما كانت الثورة فى ذلك الوقت قد بدأت حياتها باللجان على نطاق واسع وأراد رئيس التحرير أن يبعدها عن هذا العصر .. فلهذا أضاف فى أول القصة كلمات " حدث من سنين بعيدة " ونشرت القصة كما نشر الدكتور عبد الحميد يونس قصصا كثيرة فى هذه الصفحة الأدبية .. لعبد الحليم عبد الله .. وعبد الحميد السحار .. وسعد حامد .. وسعد مكاوى .. وأمين غراب .. وغيرهم " .
=============
مجلة الجيل
يقول البدوى :
" كان موسى صبرى رئيس تحرير المجلة وفى الوقت عينه رئيس تحرير الأخبار .. وهو أنشط من عرفت فى حياتى من البشر .. ويستطيع أن يعمل عشرين ساعة متصلة .. وعنده خاصية مفردة فى استقبال الناس بوجه بشوش ، ونفس ضاحكة مهما كانت متاعبه .
وبمثل هذه البشاشة الطبيعية والتى تجرى فى دمه استقبلنى وأنا أنشر .
وكنت أقدم له القصة ، وهو فى الصالة الرحبة من الدار .. فيقرأها وأنا جالس بجواره مهما كانت مشاغله ثم يسقطها على التو فى الشريط النازل إلى المطبعة .
وفى مجلته نشرت مقالاتى عن الصين وهونج كونج واليابان .. ونشروا صورتى مع كل مقالة .
وكنت أكتب هذه المقالات فى مقهى بضاحية مصر الجديدة .. اعتدت أن أقضى فيه النهار بطوله من الثامنة صباحًا إلى الخامسة أو السادسة مساء لأ سجل كل ما فى خاطرى فى جلسة واحدة .. ثم أنقحه بعد ذلك على مهل فى يومين أو ثلاثة ..
وبعد نشر صورتى فى المجلة .. غيرت المقهى لأنى ضقت بنظرات الناس وأسئلتهم .
وفى الفترة التى بعد فيها موسى صبرى عن الدار عرفت حسين فريد وهو إنسان طيب دءوب على العمل فى صمت وأحمل له مودة صامتة مثل صمته ".
ويقول عنه الأستاذ موسى صبرى رحمه الله فى مجلة آخر ساعة فى 26 فبراير 1986 "كان كاتبا كبيرا بلا مجتمع ، عاش العزلة وهواها ، وصادق أوراقه وأقلامه.. وابتعد عن الأضواء ، وابتعدت عنه الأضواء .. حتى برامج الإذاعة والتليفزيون التى تقدم الكتاب المجهولين ، لم تقدم محمود البدوى الذى قدم للأدب المصرى ثلاثمائة وخمسين قصة قصيرة نشرت كلها على فترات متباعدة فى الصحف والمجلات على مدى خمسين عاما .
وكان أسلوبه تعبيرا كاملا عن شخصيته ، كان قليل الكلام ، وكانت عبارته لا تحتمل حرفا زائدا ، وكان هادئا ، وكانت كلمات قصصه هادئة ، وكان فى عزلة الفلاسفة .. وكانت سطوره فلسفة قائمة بذاتها عن أغوار النفس الإنسانية ..
عرفته فى الأسبوع الأول الذى بدأت فيه حياتى الصحفية ذات يوم من عام 1944 ، وشجعنى وصادقته ، ولكن بطريقته .. بلا إختلاط ، أو لقاءات خارج العمل ، ودعانى إلى بيته مرة واحدة ، عندما أقدمت على الزواج فى عام 1958 ، لكى يقدم لى نصائحه عن الحياة الزوجية ، وفى كل موقع صحفى استعنت به ، وكان يرسل لى القصة مع مبعوث ، وإذا حضر فهو لا يمكث معى أكثر من دقائق معدودات ، ولا يفوته واجب اجتماعى .
وكان دائما يبهرنى ، بهذا المنهج الذى لم يغيره أبدا فى حياته .. وكثيرا ما يمر عام كامل ، دون أن أسمع منه أو أقرأ له ، أو أراه .. ولكنى كنت أصادف دائما من يقول لى ؟ محمود البدوى يرسل لك التحية " .
===========
صحيفة الشعب
تأثر الأديب والشاعر الكبير عبد الرحمن الشرقاوى فى مطلع حياته الأدبية بالبدوى ، وعنه يقول :
" رائدى فى كتابة القصة القصيرة فى مطلع حياتى الأدبية هو الأستاذ الكبير محمود البدوى الذى يعتبر بحق أول رائد للقصة القصيرة فى مصر " .
ولما أصدر الأديب والشاعر الكبير كتابه أحلام صغيرة " سلسلة كتب للجميع العدد 100 مارس 1956 أهداه للبدوى ..
ويقول فى الصفحة رقم 8 من الإهداء :
" .... أشرقت تجربة محمود البدوى تضىء أمام العين والفكر والقلب كثيرا من آفاق حياتنا المصرية المعاصرة ، وشعت من كلماته الصادقة تلك الحرارة الحلوة التى تعطى الدفء والنبض لكثير من الأشياء الصغيرة التافهة
أول قصة تنشر للبدوى فى جريدة أخبار اليوم كانت بالعدد 109 بتاريخ 7/12/1946 تحت اسم " الشيخ عمران " وكتبها فى مقهى سفنكس الذى كان موجودًا أمام سينما راديو فى مكان ملىء بالحركة وحوله الناس . وكما يقول .. " لا أكاد أحس بما حولى من صخب فى المقهى الذى أجلس لأكتب فيه ، كلعب الطاولة .. أو الأصوات المرتفعة " فكلها تنفصل عنه فى لحظة الإبداع ، ويكتب على ورقة بيضاء وغير مسطرة ، وبالقلم الرصاص لأنه كثير التنقيح .
وعن ظروف كتابتها ونشرها .. يقول البدوى "تعودت على الكتابة فى المقهى .. ومن هناك يجىء الوحى .. وأشرع فى الكتابة بعد أن تكون القصة قد اكتملت فى رأسى تماما .. ولا بد أن يكون المكان مفتوحًا على الطريق .. لأشاهد منه المارة .. ولا أستطيع أن أكتب فى مكان مغلق كلمة واحدة ..
ولا بد أن تكون الشخصية صورة من شخصية التقيت بها وعشت معها .. وقد أغير وأبدل ولكن فى أقل الحدود .
وقد توحى إلىّ قصة قرأتها لتشيكوف أو غوركى أو ستويفسكى أو هيمنجواى أو موبسان بقصة .. ثم قصة .. ولكن لا بد أن يكون الجو قد لمسته وعرفته .. والشخصية قد التقيت بمثلها فى الحياة .. وقد يذكرنى حادث قرأته فى الصحف بشىء مستقر فى أعماقى .. ويخيل إلىّ أنى نسيته .. ولكن نشره فى الصحف يحركه ..
فعندما نشر حادث " الخط " تذكرت على الفور رجلاً فى قرية مجاورة لقريتى .. كنت ألتقى به كل مساء وأنا أتمشى على الجسر .. وكان الرجل مشهورًا فى المنطقة كرجل ليل ليس له من ضريب .. وكان أبرع من يصوب فى فحمة الليل ويصيب الهدف على بعد أميال .. لأن عينيه تخترقان حجب الظلام بشكل خارق .
وقد التقيت بهذا الرجل بعد أن قضى مدة العقوبة .. وتاب وأناب .. فوجدته قصيرا نحيفا ، خافت الصوت .. هادئ الطبع .. لا ينبئ ملامحه عن إجرام أو شر .. ولم يبق فيه إلا عينان حادتان متوهجتان كعينى الصقر .. وقلب شجاع لا يهاب الموت .
تذكرت هذا الرجل بعد أن قرأت حوادث "الخط" وأخذت أكون على مهل قصة "الشيخ عمران" .
وكتبت القصة فى مقهى " سفنكس" بشارع طلعت حرب .. ولما فرغت من كتابتها ، فكرت فى نسخها على الآلة الكاتبة لأن خطى ردىء للغاية ، وغلط المطبعة يشوه القصة تماما مهما كانت براعة الكاتب فى التصوير والسرد .
ومر أمامى فى لحظة التفكير هذه الأستاذ عاشور عليش ، وكنت قد عرفته بعد نشر كتابى "فندق الدانوب " وتوطدت بيننا صداقة قوية .. فسلم وجلس وقرأ القصة وأعجب بها .
ولما حدثته عن كتابتها على الآلة الكاتبة ..
قال على الفور .. فى شهامة ..
ــ خطى أحسن من الماكينة .. فهيا وأملى ..
وهو سريع الحركة .. وأخرجنا الورق وجلس يكتب بخطه الجميل حتى دخل علينا الليل ونحن على "القهوة" دون طعام أو شراب .. نسينا ذلك واستغرقتنا القصة حتى انتهينا من كتابتها .. ومزقنا المسودة التى كنت أملى منها .. وطوينا الورق والصحف .. وسرنا إلى مكان نأكل فيه ..
وفى المطعم ، وضعت الأوراق والمجلات التى أحملها فوق كرسى .. فسقطت مجلة وتكشفت الأوراق .. فنظرت فيها فلم أجد القصة ، فشعرت على التو بخنجر يمزق قلبى ، واسودت عيناى من الحزن .. وخرجنا من المطعم دون أن نأكل ، نبحث فى الشوارع التى سرنا فيها عن القصة .. وقلبى بعد كل خطوة يزداد غما وكربا ..
شعرت بأن كنزا من كنوز الدنيا فقد منى فى لحظة نحس .. لا يد لى فيها.. وما كتبته لا أستطيع أن أعيد كتابة سطر واحد منه .. فالحالة النفسية للكاتب لها الاعتبار الأول فيما يكتب .
وظللنا نحدق على الأرصفة بعيون مفتوحة ، كأننا نبحث عن جنيهات من الذهب قد سقطت منا .. حتى وصلنا إلى "القهوة" وهناك وجدنا "القصة" تحت المنضدة التى كنا نجلس إليها .. وشعرت بفرحة لم أشعر بمثلها فى حياتى ..
وأعطيت القصة للأستاذ محمد على غريب رحمه الله فنشرها فى أخبار اليوم " .
* * *
صحيفة الزمان
يقول البدوى :
" لما توقفت مجلة الرسالة بسبب الحرب .. أخذت أنشر فى بعض الصحف اليومية .. وعرفت عاشور عليش وبعده سليمان مظهر وعبد العزيز الدسوقى .. وكان الثلاثة فى جريدة الزمان يشرفون على الصفحة الأدبية .
وقد قضيت معهم صحبة طيبة عامرة بالنشاط .. فالثلاثة أدباء قبل أن يكونوا صحفيين وخلت نفوسهم من العقد .
ومع أنى كنت أنشر فى الزمان من غير أجر إطلاقا ، ولكن وجود هؤلاء فى الصحيفة جعلنى فى أتم حالات الرضى النفسى وكنت أحس بوجودى كأديب وكاتب قصة ، وما شعرت معهم إلا بالوفاق والتشجيع على مواصلة السير فى طريقى ".
===========
نادى القصة
تأسس نادى القصة فى 25 مارس 1953 ورئيسه الدكتور طه حسين وكان مقر النادى فى ذلك الوقت فى ميدان التحرير وسكرتيره هو الأستاذ الأديب يوسف السباعى ..
يقول البدوى :
" كان أستاذنا توفيق الحكيم يحضر بعصاه وغطاء رأسه وعلى وجهه الصمت والتأمل ، كما كان يحضر فريد أبو حديد .. ويحيى حقى .. وإحسان عبد القدوس صاحب فكرة النادى ، وهو الذى عندما راودته الفكرة عرضها على يوسف السباعى فنفذها هذا سريعا بطريقته التى لا يشوبها التردد " .
" حملت معى إلى نادى القصة ذات مساء مجموعة قصص صدرت لى حديثا "حدث ذات ليلة " وكان فى النادى طه حسين .. وتوفيق الحكيم .. ويوسف السباعى .. وعبد الحميد السحار .. وغراب .. فأهديت نسخة إلى طه حسين ومثلها إلى توفيق الحكيم .. وتركت الثلاث نسخ الباقية على مكتب يوسف السباعى ..
وفى الأسبوع التالى .. جاء الدكتور طه إلى النادى وسلمت عليه مع المسلمين ، وبعد أن استراح قليلا أخذ يتحدث عن قصص المجموعة .. ويلخص كل قصة فى إيجاز فيه كل اللمحات الإنسانية .. مع التركيز على لب القصة ومحورها .. وقد شكرته فى خجل شديد .. وأنا مذهول من هذه الذاكرة الفذة .. فقد كان يسرد وقائع نسيتها وأنا كاتبها .
ولما صدرت لى "مجموعة العربة الأخيرة " رأى غراب أن أهديها للدكتور أيضا .. فأهديتها له .. وحمل إلى أمين فى نفس الأسبوع كتاب "الفتنة الكبرى" للدكتور ردًا على هديتى .
وتحدث الدكتور طه بعد ذلك بسنوات فى الإذاعة عن بعض الأدباء وكتاب القصة الجدد ولم أسمعه .. وحدثنى من سمعه أنه عندما أراد أن يذكر اسمى .. كان قد نسيه .. فقال محمود الـ .. الـ .. الـ .. البدوى ونطق البدوى بعد ثوان من التوقف ..
وكان لقائى الأول مع طه حسين فى النادى كما أسلفت .. واللقاء الأخير فى بيته عندما مرض ، ورأى المرحوم يوسف السباعى أن يجتمع مجلس إدارة النادى فى بيت الدكتور بالهرم ، وكان ذلك فى آخر أيامه رحمه الله ".
=================
مجمع اللغة العربية
صدرت المجموعة القصصية الخامسة لمحمود البدوى " حدث ذات ليلة " عن دار مصر للطباعة سنة 1953 .
سجل محمود عليها وكتب بخط يده على الصفحة الأولى "مقدمة إلى مجمع اللغة العربية للاشتراك فى مسابقة الأقصوصة لسنة 1954 / 1955 "محمود البدوى 4/3/1954" .
وسجل بعد ذلك "انسحبت من هذه المسابقة بعد شهر 4/4/54"
ولا أحد يعرف سبب إنسحابه من المسابقة ، وربما يكون ذلك راجعا كما كان يقول دائما ويردد : "إن جسمى وروحى لا يتحملان رد فعل فيه رفض من أى إنسان" .
===============
صحيفة الجمهورية
يقول البدوى :
" كان يتردد على نادى القصة الكثير من الأدباء البارزين .. وذات ليلة دخل من الباب الدكتور عبد الحميد يونس ومعه صديقه ومرافقه محمد حموده .. وكان الدكتور عبد الحميد قد أسند إليه الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة الجمهورية .. ورأى أن يتوج هذه الصفحة بنشر قصة قصيرة فيها ، وأدرك بحاسته السادسة أن أحسن مكان يلتقى فيه بالقصاصين هو ناديهم .. وعرض الفكرة فى إيجاز وطلب من الموجودين جميعا قصصا وقدمت له فى اللقاء الثانى قصة باسم "لجنة الشباك" وأنا لا أتصور أنها ستنشر لأنها تحمل سخرية مرة قاسية بهذه اللجان التى تشكلها أجهزة الدولة وتشل كل مشروعاتها النافعة بل تقتلها إلى الأبد .. والضحية من هذه اللجان دائما الشعب المسكين .
ولما كانت الثورة فى ذلك الوقت قد بدأت حياتها باللجان على نطاق واسع وأراد رئيس التحرير أن يبعدها عن هذا العصر .. فلهذا أضاف فى أول القصة كلمات " حدث من سنين بعيدة " ونشرت القصة كما نشر الدكتور عبد الحميد يونس قصصا كثيرة فى هذه الصفحة الأدبية .. لعبد الحليم عبد الله .. وعبد الحميد السحار .. وسعد حامد .. وسعد مكاوى .. وأمين غراب .. وغيرهم " .
=============
مجلة الجيل
يقول البدوى :
" كان موسى صبرى رئيس تحرير المجلة وفى الوقت عينه رئيس تحرير الأخبار .. وهو أنشط من عرفت فى حياتى من البشر .. ويستطيع أن يعمل عشرين ساعة متصلة .. وعنده خاصية مفردة فى استقبال الناس بوجه بشوش ، ونفس ضاحكة مهما كانت متاعبه .
وبمثل هذه البشاشة الطبيعية والتى تجرى فى دمه استقبلنى وأنا أنشر .
وكنت أقدم له القصة ، وهو فى الصالة الرحبة من الدار .. فيقرأها وأنا جالس بجواره مهما كانت مشاغله ثم يسقطها على التو فى الشريط النازل إلى المطبعة .
وفى مجلته نشرت مقالاتى عن الصين وهونج كونج واليابان .. ونشروا صورتى مع كل مقالة .
وكنت أكتب هذه المقالات فى مقهى بضاحية مصر الجديدة .. اعتدت أن أقضى فيه النهار بطوله من الثامنة صباحًا إلى الخامسة أو السادسة مساء لأ سجل كل ما فى خاطرى فى جلسة واحدة .. ثم أنقحه بعد ذلك على مهل فى يومين أو ثلاثة ..
وبعد نشر صورتى فى المجلة .. غيرت المقهى لأنى ضقت بنظرات الناس وأسئلتهم .
وفى الفترة التى بعد فيها موسى صبرى عن الدار عرفت حسين فريد وهو إنسان طيب دءوب على العمل فى صمت وأحمل له مودة صامتة مثل صمته ".
ويقول عنه الأستاذ موسى صبرى رحمه الله فى مجلة آخر ساعة فى 26 فبراير 1986 "كان كاتبا كبيرا بلا مجتمع ، عاش العزلة وهواها ، وصادق أوراقه وأقلامه.. وابتعد عن الأضواء ، وابتعدت عنه الأضواء .. حتى برامج الإذاعة والتليفزيون التى تقدم الكتاب المجهولين ، لم تقدم محمود البدوى الذى قدم للأدب المصرى ثلاثمائة وخمسين قصة قصيرة نشرت كلها على فترات متباعدة فى الصحف والمجلات على مدى خمسين عاما .
وكان أسلوبه تعبيرا كاملا عن شخصيته ، كان قليل الكلام ، وكانت عبارته لا تحتمل حرفا زائدا ، وكان هادئا ، وكانت كلمات قصصه هادئة ، وكان فى عزلة الفلاسفة .. وكانت سطوره فلسفة قائمة بذاتها عن أغوار النفس الإنسانية ..
عرفته فى الأسبوع الأول الذى بدأت فيه حياتى الصحفية ذات يوم من عام 1944 ، وشجعنى وصادقته ، ولكن بطريقته .. بلا إختلاط ، أو لقاءات خارج العمل ، ودعانى إلى بيته مرة واحدة ، عندما أقدمت على الزواج فى عام 1958 ، لكى يقدم لى نصائحه عن الحياة الزوجية ، وفى كل موقع صحفى استعنت به ، وكان يرسل لى القصة مع مبعوث ، وإذا حضر فهو لا يمكث معى أكثر من دقائق معدودات ، ولا يفوته واجب اجتماعى .
وكان دائما يبهرنى ، بهذا المنهج الذى لم يغيره أبدا فى حياته .. وكثيرا ما يمر عام كامل ، دون أن أسمع منه أو أقرأ له ، أو أراه .. ولكنى كنت أصادف دائما من يقول لى ؟ محمود البدوى يرسل لك التحية " .
===========
صحيفة الشعب
تأثر الأديب والشاعر الكبير عبد الرحمن الشرقاوى فى مطلع حياته الأدبية بالبدوى ، وعنه يقول :
" رائدى فى كتابة القصة القصيرة فى مطلع حياتى الأدبية هو الأستاذ الكبير محمود البدوى الذى يعتبر بحق أول رائد للقصة القصيرة فى مصر " .
ولما أصدر الأديب والشاعر الكبير كتابه أحلام صغيرة " سلسلة كتب للجميع العدد 100 مارس 1956 أهداه للبدوى ..
ويقول فى الصفحة رقم 8 من الإهداء :
" .... أشرقت تجربة محمود البدوى تضىء أمام العين والفكر والقلب كثيرا من آفاق حياتنا المصرية المعاصرة ، وشعت من كلماته الصادقة تلك الحرارة الحلوة التى تعطى الدفء والنبض لكثير من الأشياء الصغيرة التافهة
....
إلى محمود البدوى .. الكاتب الجسور ، الذى علمنى منذ نشر مجموعته "رجل" فى سنة 1935 كيف أحب حياة الناس البسطاء ، وكيف أهتز لما فيها من روعة وعمق وشعر ..".
حفظ له البدوى هذا الجميل وأراد أن يرده فى الكتاب التالى مباشرة .. ويقول :
" ولكن الإهداء سقط فى المطبعة .. ولم أستطع أن أوفيه حقه إلا فى كتاب " السفينة الذهبية سنة 1971" وهو الذى حمل المخطوط إلى الدار وأنقذنى من ضيق مالى شديد ..
وعندما تولى عبد الرحمن الشرقاوى الصفحة الأدبية فى الشعب .. وهو شاعر نابغة وأديب عظيم .. فطلب منى قصة .. وكنت أكتب فى ذلك الوقت وأنشر قصصا بصفة منتظمة فى مجلات دار أخبار اليوم "الجيل" ومعى الكاتب القصصى سعد مكاوى .. ولكن لم أستطع رد طلب عبد الرحمن لمكانته الأدبية وموضعه من قلبى ..
وكان سعد مكاوى قد انتقل بدوره وأصبح محررا فى جريدة الشعب أيضا .. وبدأ العدد الأول من الجريدة بنشر قصة له .. ونشرت أنا قصة مثلها فى العدد الثانى .. وهكذا أخذت أنشر فى الشعب ..
ووسع عبد الرحمن الشرقاوى من دائرة الكتاب فى الصفحة الأدبية ، فأخذ ينشر فيها عبد الحليم عبد الله .. وسعد حامد وغيرهما .
وفى جريدة الشعب التقيت بمحمود يوسف لأول مرة وقربنى منه الصفاء الذى وجدته فى معدنه .. وكلما مرت الأيام ازددت منه ألفة وصحبة .
ونشرت فى الجريدة قصة ، أصف فيها البطلة فى موقف من مواقفها " بأنثى الأسد " .. فأهاج ذلك القارئات والمصونات منهن على الأخص ، فوجدت عاصفة وأنا داخل الجريدة .. وتلقانى محمود يوسف ومحمود حنفى ( منفذ الصفحة ) بابتسامة متألقة .. وطيبا خاطرى .. كما وجدا الامتعاض على وجهى من ذلك الهياج الذى لا مبرر له ، وعلمت أن محمود حنفى " المسئول " دافع عن الكلمة بحرارة .. وطلب من المعترضات أن يأتين بكلمة بديلة تعبر عنها فى مثل دقتها ، فعجزن .. فالساقطة والمنحرفة والشهوانية .. كل هذه الكلمات لها معنى آخر .. لا تعبر عنه الكلمة التى نحن بصددها وما لازمها من وصف فى القصة .
================================
إلى محمود البدوى .. الكاتب الجسور ، الذى علمنى منذ نشر مجموعته "رجل" فى سنة 1935 كيف أحب حياة الناس البسطاء ، وكيف أهتز لما فيها من روعة وعمق وشعر ..".
حفظ له البدوى هذا الجميل وأراد أن يرده فى الكتاب التالى مباشرة .. ويقول :
" ولكن الإهداء سقط فى المطبعة .. ولم أستطع أن أوفيه حقه إلا فى كتاب " السفينة الذهبية سنة 1971" وهو الذى حمل المخطوط إلى الدار وأنقذنى من ضيق مالى شديد ..
وعندما تولى عبد الرحمن الشرقاوى الصفحة الأدبية فى الشعب .. وهو شاعر نابغة وأديب عظيم .. فطلب منى قصة .. وكنت أكتب فى ذلك الوقت وأنشر قصصا بصفة منتظمة فى مجلات دار أخبار اليوم "الجيل" ومعى الكاتب القصصى سعد مكاوى .. ولكن لم أستطع رد طلب عبد الرحمن لمكانته الأدبية وموضعه من قلبى ..
وكان سعد مكاوى قد انتقل بدوره وأصبح محررا فى جريدة الشعب أيضا .. وبدأ العدد الأول من الجريدة بنشر قصة له .. ونشرت أنا قصة مثلها فى العدد الثانى .. وهكذا أخذت أنشر فى الشعب ..
ووسع عبد الرحمن الشرقاوى من دائرة الكتاب فى الصفحة الأدبية ، فأخذ ينشر فيها عبد الحليم عبد الله .. وسعد حامد وغيرهما .
وفى جريدة الشعب التقيت بمحمود يوسف لأول مرة وقربنى منه الصفاء الذى وجدته فى معدنه .. وكلما مرت الأيام ازددت منه ألفة وصحبة .
ونشرت فى الجريدة قصة ، أصف فيها البطلة فى موقف من مواقفها " بأنثى الأسد " .. فأهاج ذلك القارئات والمصونات منهن على الأخص ، فوجدت عاصفة وأنا داخل الجريدة .. وتلقانى محمود يوسف ومحمود حنفى ( منفذ الصفحة ) بابتسامة متألقة .. وطيبا خاطرى .. كما وجدا الامتعاض على وجهى من ذلك الهياج الذى لا مبرر له ، وعلمت أن محمود حنفى " المسئول " دافع عن الكلمة بحرارة .. وطلب من المعترضات أن يأتين بكلمة بديلة تعبر عنها فى مثل دقتها ، فعجزن .. فالساقطة والمنحرفة والشهوانية .. كل هذه الكلمات لها معنى آخر .. لا تعبر عنه الكلمة التى نحن بصددها وما لازمها من وصف فى القصة .
================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق