الخميس، ٧ ديسمبر ٢٠٠٦

حياة محمود البدوى الأدبية وحصاد السنين الجزء الخامس ص35 *

حصاد السنين

* القصة القصيرة .
* المرأة والصداقة والحب .
* الرد على النقاد .
* الأدب والسياسة .
* البعد عن السياسة .
* التقاليد السائدة فى حياتنا الأدبية والنقدية .
* ثقافة الأمس وأديب اليوم .
* سرقة قصة زوجتى والكلب .
* اهداء الكتب للنقاد
================

القصة القصيرة

القصة القصيرة فى نظر البدوى .. "ملمح إنسانى يجتمع فيها روح الجذب والكفاية الذاتية ، تقرأها وتكتفى بها كما تكتفى برواية طويلة .

إن القصة القصيرة إذا كتبتها بروحانية وجاذبية وخلقت منها شيئا حيا يتحرك ، فإنها تغنى عن الرواية " .
" القصة يجب أن يكون فيها روح ، ويجب أن تكون لحظة التنوير فيها واضحة ، ويجب أن تتمتع القصة بخاصية التركيز ، وأن يبتعد كاتبها عن الاستطراد أو الإسهاب وكثرة الوصف ، ويجب ألا أقرأ القصة الجديدة فلا أكاد أميز بينها وبين المقالة .

والقصة القصيرة الناضجة هى التى تجذبك من سطورها الثلاثة الأولى ، وهى التى تعيد قراءتها مرة ومرات من غير ملل ، فنحن الآن نقرأ تشيكوف للمرة الألف ولا نكاد نمل منه .

والمبادئ والمواصفات التى يدعو إليها أساتذة الأدب فى الجامعات يجب ألا تسيطر على ذهن الفنان وهو يكتب ، فأنا أكتب القصة بعفوية وأكتب بواقعية .

وهناك أستاذ جامعى وضع للقصة القصيرة 18 قاعدة ولكنه للأسف الشديد لم يكتب قصة قصيرة واحدة ناجحة لأن القاعدة كانت فى رأسه وهو يكتب "

" أستطيع أن أقول إن القصة القصيرة التى كتبتها على إيجازها كان يمكن أن أكتبها فى ثلاثة فصول بدلاً من عدة صفحات ، فبدلاً من أن أسترسل فى محاسن المرأة ، على سبيل المثال ، فأسهب فى شعرها وقدها وهيئتها إلى غير ذلك ، أستطيع أن أرمى السهم مباشرة فأقول إنها "جميلة" وهو ما أستطيع أن أقوله حين أسهب فى تفاصيل الجو فأختصر بأنه "بارد" وحسب .. وأستطيع ببقية تفصيلات القصة أن أمزج قدرًا كبيرًا من الدلالة التى تشير إلى الجو أو تؤكد درجته .. "

والشخصية المصرية فى قصصى لم تتغير قط .. وهى دلالة طيبة على الطيبة ، إلى درجة البلاهة أحيانا ثم التمسك بالقيم .
وفى كل قصصى أسعى إلى الحقيقة والجمال .. وأكره القبح فى كل مظاهره .. القبح فى الشكل .. القبح فى الخلق .. القبح فى الطباع .. وليست هناك مبالغة أن كل أنثى فى قصصى فهى جميلة أولاً .. ولا أكون مغرورًا إذا قلت لك أننى أحببت القصة القصيرة وطورتها .. وأنا أركز على الشخص الواحد لأبرز للقارئ جميع طباعه، وليكون أسهل عند القارئ للفهم . ولا أنكر عنصر التشويق فى قصصى وبعض الأحيان الإثارة .

وأظن أن من يقرأ لى أول قصة كتبتها فى حياتى كمن يقرأ لى الآن آخر قصة .. فأنا أعالج فى قصصى صنفا معينا من البشر .. أكتب عن الناس المظلومين فى الحياة .. دائما أكتب عن هؤلاء الناس .. ولا أكتب قط من فراغ وإنما أكتب من الواقع وعن الناس الذين عاشرتهم وعشت معهم ، وأشعر بعد كتابة القصة براحة نفسانية لا حد لها ".

" لا أكتب القصة للفلسفة ولا لأنشر مذهبا اجتماعيا معينا ، إنما أكتب بوحى السليقة والإحساس بالقيم الأخلاقية متمكن منى لأقصى حد ، وليس معنى هذا أننى واعظ أو أرتقى المنابر ، أبدا ، إنما معناه أنى أصور الناس بخيرهم وشرهم ".

" وما أعبر عنه فى القصة الطويلة بالتطويل والإفاضة ، أستطيع أن أعبر عنه فى القصة القصيرة بتركيز وإيجاز .. والقصة القصيرة لمحة خاطفة من الحياة ، وقلقى عليها وإنفعالى بها يجعلانى أحرص على تسجيلها على التو .. خشية أن تفلت من دائرة تفكيرى إلى الأبد ، فكل يوم أحيا وأعايش صورة جديدة .."

" لا أسطر القصة على الورق إلا بعد أن تكون قد نضجت تماما فى رأسى واكتملت بكل حوادثها وشخصياتها ، وأجد مشقة فى اختيار الأسماء .. والاسم عندى يجب أن يكون مطابقا للشخصية ، فلا أسمى مثلا قاطع طريق مختار .. أو رؤوف .. أو لطفى ".

" أعتبر أن ما يكتبه الأديب فى القصة القصيرة يمكن أن يكون كافيا وضامنا لرواية طويلة من ألف صفحة" والرواية الوحيدة التى كتبتها وهى "الرحيل" تناولت رحلة بحرية لى بين عدة دول ولم أكرر التجربة ، فإنى لا أستريح إلى الرواية كشكل فنى " . " وكل ما أستطيع أن أقدمه من أفكار قدمته فى القصة القصيرة وهى تغنينى عن كتابة الرواية .

" لم أدرس إطلاقا قواعد القصة القصيرة على يد أحد ، ولكن قرأت فيها ، وترجمت لأساتذة القصة القصيرة فى الغرب ، وترجمت لتشيكوف وموباسان وجوركى فى السنوات الأولى من صدور مجلة الرسالة ، ومن هؤلاء الأساتذة تعلمت الشكل (الفورم) ثم أنى بطبعى أميل إلى الواقع ولا أكتب من فراغ بل من صميم الواقع ".

" لا بد من وجود الهيكل العظمى .. فأنا أكتب عن المدن التى عشت فيها وزرتها .. ولابد من الصدق ، لأن الصدق هو الشىء الوحيد الذى يعيش .."

" اخترت هذا الطريق لنفسى .. رغم ما فيه من متاعب ومشقة .. لا أحب أن أغيره .. أشعر بعد كتابة القصة براحة وجدانية لا مثيل لها .. رغم ما لاقيته فى حياتى من صعاب ومشقة بسبب الأدب والتفرغ للقصة .. فأشعر فى أعماق نفسى بالرضا والقناعة .. لم أفكر إطلاقا وأنا أكتب لا فى خلود ولا فى ذكرى ولا فى أى شىء من أحلام اليقظة .. لكن أعتبر أننى حققت بجهدى المتواضع شيئا .. لا بد أن يعيش ما عاش الأدب فى محيطنا العربى .. والشىء الذى يسعدنى أكثر .. أنه رغم أن كل وسائل الإعلام أغفلتنى عن عمد وقصد .. وكل النقاد الذين تخصصوا فى هذا النوع من النقد .. رغم أنهم أغفلونى عن عمد .. وأن بعض المحررين فى الصفحة عندما كان يرد اسمى على لسان غيرى كقصاص كانوا يحذفونه .. رغم كل هذا فإنى وكما قلت حققت لنفسى ما سيعيش ما عاش الأدب فى الساحة العربية .. ليس كل الكتب .. ولكن القليل من هذه الكتب يكفينى .. كما يكفى ديستوفيسكى أنه كتب الجريمة والعقاب ، وتشيكوف أنه كتب بستان الكرز .. والجاحظ أنه كتب البخلاء ، وابن المقفع أنه كتب كليلة ودمنة ، والأصفهانى أنه كتب الأغانى .. كل هذه الكتب فيها الصدق والحياة .. وبالحياة والصدق عاشت .
==============

المرأة والصداقة والحب

يقول البدوى :
" أعتقد أنه لا يوجد بين الرجل والمرأة شىء اسمه الصداقة أبدًا .. وإنما يوجد حب .. والحب ليس معناه الصداقة أبدًا .. الحب بين الرجل والمرأة هو الأنانية والسيطرة . أنا شخصيا أعرف أنى أحب عندما أكتب قصة جيدة .. وأتغلب فى حياتى على كل ما يعترضنى من عراقيل وأصبح لا أعبأ بالتوافه وأشعر بالمودة والأخوة نحو الآخرين ، وأشعر كأنى أحلق فى السماء وأحب الخير للإنسانية جمعاء ، وأشعر فى لحظة بأنى أحب .. الواقع أنه قد أصبحت فى حياتى امرأة واحدة .. وهذه المرأة هى التى تدور حولها معظم قصصى .. أما من هى هذه المرأة .. فهذا سرى .. ويجوز أن تكون زوجتى .. وقد تكون امرأة أخرى ".

" الحب الحقيقى لا يمكن أن يتجه إلا لشخص معين ، والذى ينتقل من امرأة إلى أخرى هو شخص يلهو ، ولا يمكن أن يكون الحب متمكنا من أعماقه .. فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة .

"لم يشاهد جيلنا المرأة إلا متأخرًا .. ذلك أنها لم تخرج إلى الشارع والحياة العامة إلا فى وقت قريب نسبيا .

فى بداية التجارب القصصية التى كتبتها كانت المرأة ضمن الحريم ، ولا تخرج إلا بالبرقع .. ويقتصر الاتصال على بنت الجيران .

أما الآن فإن المرأة توجد زميلة فى العمل ، وطالبة فى الجامعة ، ومرافقة فى القطار أو على الباخرة ، ويمكن أن توجد وحدها فى هذه الجولات .

هذا التطور منح الكتاب دسامة فى التجارب ، إذ كيف كان يمكن للكتّاب أن يكتبوا والنصف الآخر من المجتمع لم يدخل معه فى أى تجربة ".

" عندما فكر الناقد الفنان محمد قطب مع بعض من زملائه فى نادى القصة فى إخراج عدد من المجلة من مؤلفاتى .. توقف الصديق محمد قطب عند قصة القطار الأزرق طويلا ــ وكانت القصة نشرت فى العدد الأول من مجلة الثقافة ــ وربط محمد قطب بدهاء وبصيرة بينها وبين قصة الغجرى فى كتاب " الظرف المغلق " وكل واحدة منهما تكمل الأخرى وهما عن شخص واحد وبطل واحد ..

وأراد محمد قطب أن يجعل من القصتين صورة من حياتى .. ولقد ضحكت وسررت جدا لأن القصة أصبحت من الصدق والواقعية إلى الحد الذى يتصور كل من قرأها أنها حدثت فعلاً .. وهذا منتهى التوفيق للكاتب.. ومنتهى الإجادة الفنية.."

ونفس المشاعر أجدها عند الناقد المتخصص علاء الدين الوحيد .. وهذا الصديق يبذل جهدا صادقا فى البحث عن كتبى والكتابة عنها .. ولكنه يقف عند وقفة واحدة ويلف ويدور .. المرأة .. ويتصور أن كل امرأة فى القصة ، وكل أنثى هى واحدة ممن عرفت وعاشرت ..

وهذا التصور مرجعه بالطبع إلى الصدق فى التعبير .. وأنا لا أكتب من فراغ .. ولكن لو كنت أعرف كل هؤلاء النسوة .. فكيف أكتب ومتى أكتب ..؟

إن الأديب الحق يشعر دومًا بالحرمان ، ولو عاشر .. وعاش مع نساء هذا الكوكب .. ومن الحرمان ومن منبع الحرمان يكتب الأديب .. ولو ارتوى ما كتب قط .. لو ارتوى ما كتب سطرا واحدًا .. تلك هى الحقيقة " .

" ولا يوجد حب من أول نظرة أبدًا ، فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة " .
=============

محمود البدوى والرد على النقاد
الذين قالوا عنه "كاتب الجنس"


قال محمود البدوى ردًا على الذين قالوا عنه إنه يكتب فى الجنس .. "إنهم يقولون إننى أكتب عن الجنس ، هتفت هاتوا لى قصة جنسية واحدة ، لم أجد من يجيب ــ إننى لا أكتب عن الجنس ــ ولكن فى ذهنى المرأة تتحرك مع الرجل مع صراع الحياة ، فإذا زلت ، فهى تزل من قوة قهرية أكبر منها جعلتها تضطر إلى هذا . المرأة ليس من رغبتها الدعارة، إنما هو الاضطرار" . و"قصصى تردد دائما أنها تبحث عن الرجل الذى لا تجد فيه صفات زوجها " .

" فالمرأة والرجل يتحركان مع بعضهما ، فلم أتعمد الإثارة ، ولم أكتب عن الجنس كشىء مفرد ، إنه شىء طبيعى فى الحياة " .

" إننى أصور شيئا موجودًا فى حياتنا ، وموجود بقوة وعنف وهو شىء عميق وبعيد الأغوار ، وقد تظهر أشياء كثيرة فى سلوك الإنسان من الغضب والانفعال وفى أعماقها الجنس وفى ظاهرها لا يبدو الجنس ".

و" أظنك تلاحظ أنى لم أصف أبدًا جسم المرأة بالتفصيل الذى يثير ، كما أنى لا أصورها عارية إطلاقا " .
" الجنس تكمله للظروف المحيطة به .. جذوره أعمق مما تتصورون فى النفس البشرية " .

" ظواهره خفية ، قد تلاحظ أشياء تبدو من الوهلة الأولى بعيدة كل البعد عن الجنس ، ولكنك إذا تعمقتها وبحثت وراءها ، تجد أن الجنس هو الباعث الأول لها ، وأعتقد أن الجنس أسبق من غريزة الجوع ، وأكثر تأثيرا فى النفس، وفى كثير من القصص العالمية حين يطرح على المرأة اختيار الطعام أو الجنس ، لا تتردد فى ممارسة الجنس أولاً .
ولقد بعث فرويد ثورة عظيمة منذ أوضح نظريته إلى الآن ، وقد تأثر به مئات من الكتاب فى العالم ، كما أنه ألقى ضوءًا جديدًا على التراث الأدبى كله "

" لقد عالجت مئات الحالات الإنسانية الصارخة التى لم يلتفت إليها أحد .. والجنس عميق الجذور فى حياتنا ، وأنا لم أقصده لمجرد الجنس فقط .. وإنما أحاول أن أصل إلى أعماقه ، وهناك فرق بين رجل يضع يده على كاهل فرس جميلة .. وبين امرأة تفعل نفس الشىء " .

" عوامل السقوط فى قصصى لها مبرراتها ، والإنسان عندما يسقط فالواقع تعمى بصيرته وتجتمع عوامل القدر والظروف والحياة بطبيعتها تحب النقاء والطهارة ، والمرأة فى قصة "الباب الآخر " عندما رأت شابا فى الشباك المجاور وكانت تعرفه من قبل تصور لها فزعها ، ونتيجة الإحساس بالدنس ، أوجد عندها واجسا جعلها تعتقد أنه سيفضحها . وقد يكون الشاب لا يفكر فى هذا إطلاقا وما فكر فيه ، ثم الفزع من الدنس أيضا جعلها تعتقد أنها إذا استجابت لهذا الشاب أسكتته ، وهذا طبعا عبارة عن أعصاب مخلخلة ، أو تصور عصابى ممزق جعلها تتصور هذا ، والغرض الأسمى من كل شىء أن الحياة طاهرة ونقية ، وعندما ندنسها لابد أن ندفع الثمن ".
=============
الأدب والسياسة
يقول البدوى ...
"العالم يحترم الأديب الذى يكتب عن الإنسان .. الأديب الذى ليس له مذهب سياسى ، لأن الأدب الموجه يموت بسرعة .. إن الأديب الحقيقى .. "رسول" فى أعماقه .. رسالته تكاد تتساوى مع رسالة الأنبياء " و" عليه أن يبحث عن الحقيقة ويجلوها للناس .. وينشر الخير والجمال والحب .. ويدافع عن المظلوم والمحروم والبائس وكل من تقسو عليه الحياة... ".

" وأستطيع القول إن الأديب والمثقف بالتبعية ، لا يجب أن ينتمى لحزب ما قط ، وإذا قدر له أن ينتمى ، فيجب أن يجعل جدارًا سميكا بين إبداعه الحر ونشرات حزبه السياسى ، وألا يجب أن تتدخل السياسة فى الإبداع فتوجهه وجهة رسمية وإلا أصبح ما يكتب فى حكم ( الدعاية ) . وعلى سبيل المثال ، لقد عشت فترة موسولينى ، وتابعت الكتابات التى أيدته أو عارضته أو حتى من وقفت موقفا محايدا ، الآن أستطيع أن أقول لك .. إن جميع من كتب عن موسولينى أوله سقط ، إن شبح الزعيم السياسى يحرق معه كل مؤيديه .. الأديب لابد أن يدافع عن فكرة ، لكن الدفاع عن فكرة إنسانية شىء والدفاع عن إيديولوجية حزبية ــ مهما كانت ــ شىء آخر ..

يجب أن يكون إخلاصنا للفن أولا .. فلنترك موسولينى ولنتحدث عن أديب يحاول أن يكتب ضمن شخصياته عن شخصية اليهودى ، إننا إذا حاولنا إبراز هذا اليهودى بشكل منفر ، يمكن أن يحدث أثرا معاكسا فى القارئ فيفعل العكس .. وهنا ، فيجب أن أفرق دائما بين كتابة الأدب الهادف وكتابة الدعاية الموجهة .

" إن كل كتب الدعاية التى كتبت عن الألمان ، انتهت بعد سقوط الألمان ، كما أن كتب الدعاية التى كتبت عن الحرب العالمية الثانية بواسطة الإنجليز أو الفرنسيين انتهت بعد انتهاء الحرب ".

" فالسياسة شىء والأدب شىء ، إن هيمنجواى تطوع فى الحرب الأهلية بجسمه ونفسه ، فهل رجع وكتب ضد من حارب معهم .. أبدا فهو تطوع ليرى الحرب كفنان ، فلا هو أسبانى ولا أى علاقة له بالأسبان ، فقط ليرى الحرب ويزاولها بأظافره ..
وافترض معى أننى ضابط بالجيش أيام نكسة 67 وعائد من موقع ما فى الصحراء، فشاهدت إسرائيليا فى النزع الأخير ينزف دمه ــ هل أطعنه بالسونكى أم أطلب له الإسعاف ؟ ( موجها السؤال لمحاورة الأستاذ علاء عريبى ) .

أنا كنت عسكرى "بعكوك" وخدمت بعد كامب ديفيد ، فلا أعرف .

ضاحكا .. الإسعاف طبعا فالمذهب لا يدخل فى الكتابة أبدًا ، فأنا بعدت عن السياسة لأنها تفسد الأدب " .

" لا أحب السياسة ، أنا شخص حساس ومرهف الحس ، وإن دخلت فى دوامة السياسة سيتعطل عملى وإنتاجى ، ولا مفر أمام الفنان من الابتعاد عن العمل السياسى بكل صورة من صوره".
============

البعد عن السياسة

نأى البدوى بنفسه عن السياسة ويقول :
" هناك فرق كبير بين الوطنية والسياسة ، فحب الوطن فى لحمى ودمى وعظامى أما السياسة فقد كرهتها وكرهت مشتقات الكلمة ولعنتها كما لعنها وكرهها الإمام محمد عبده " .

" أنا بطبعى وتكوينى الخلقى لا أحب السياسة ولا الأحزاب وأكرهها كره الأعمى للحفر فى الطريق .. ولا يمكن لإنسان يحب العزلة ليقرأ ويكتب أن يشترك مع الجماهير فى ضجيجها وصخبها .. على أى صورة من الصور .. وحب الوطن ومن خدمه بإخلاص وأمانة من رجالنا الأفذاذ عبر التاريخ كله .. سيظل محل الاحترام والتقديس ما دامت الحياة ..

وأبطالى مصريون خلص .. وما أشرت فى أية قصة من قصصى إلى شخصية وفدية أو سعدية أو خلافهما .. فالذى يجابه الاستعمار ويحاربه أيام الاستعمار الإنجليزى هو مصرى خالص المصرية " .

ومن الحوادث التى شاهدها البدوى وقالها بذكرياته فى مجلة الثقافة عدد مارس 1980 "كان محمد على غريب هجاءً من طراز نادر .. كما كان السبب فى غلق الكثير من الصحف والمجلات أيام صدقى باشا والوفد .. وقد جر معه المرحوم هلال .. الذى كان موظفا فى مجلس الأمة .. وكان يكتب معه المقالات السياسية ويوقعها باسم مستعار ..

وكانت هذه المجلات تصادر جميعها .. ولا تعيش أكثر من أسبوع .. الصاعقة .. الضحى .. وغيرهما كثير .. وفى مجلة من هذه المجلات كتب "جبان خسيس" .. تحت رسم للرسام رخا .. سبا قذرًا فى صدقى باشا .. وظهر العدد وفيه هذه السبة الوقحة وسجن بسببها رخا خمس سنوات ..

وإلى اليوم لا يعرف رخا .. ولا صاحب المجلة .. ولا المحررون فيها .. ولا عمال الطباعة .. من الذى كتب هذه السبة اللعينة ..

وما أصاب رخا .. أصاب المرحوم هلال ولكن بطريقة أخرى .. أخف من السجن .. فقد مر السكرتير العام للمجلس الذى يعمل فيه هلال ( والمجلس وقتها وفدى والحكومة وفدية ) .. مر فى صباح يوم على مكتب هلال ( بعد وشاية من زميل ) فوجده يكتب بداية لمقال سياسى عنوانه " تحت اللواء " .. فالتقط المقال بخفة الثعلب .. ونقل هلال من مجلس الأمة .. إلى كاتب قيودات فى أرشيف مديرية الجيزة .. وقد لاقى المسكين العذاب الأكبر من جراء هذا النقل .. وقد استغرقته فحولته عن الأدب مع أنه بدأ بداية طيبة وكان يمكن أن يكون له شأن لو استمر فى طريقه الأول ..

وتحت اللواء يعنى تحت العلم المصرى .. ولا أدرى الذى كتب فى سياق المقال ، وكان السبب فى العقاب .

ولم تكن هذه الحوادث درسًا ملموسًا لى لأبتعد عن السياسة وعن الكتابة فى هذه المجلات" .
=============
ثقافة الأمس وأديب اليوم

يقول البدوى :" الثقافة التى كانت موجودة فى الثلاثينيات والأربعينات كانت ثقافة مزدهرة .. وهى السبب فى وجود المنفلوطى والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد لطفى السيد .. وهذه الثقافة كانت مزدهرة نتيجة العناية الجدية المطلقة بالكتاب " .

و" أديب الأمس ولظروف الحياة المادية نفسها فى ذلك الوقت .. كان روحيا مخلصا للأدب .. وروحه متشربه لحبه إلى درجة التضحية " . ولقد عاصرت الأدب الزاهر الذى كانت تسوده روح التضحية خصوصا عند مصطفى صادق الرافعى ، المازنى ، العقاد ، أحمد أمين ، الزيات.. أنا شخصيا وجدت الزيات كان يعطى كبار كتابنا فى ذلك الوقت " العقاد " و" طه حسين " خمس جنيهات ثمنا للمقالة .. وروح التضحية برزت واضحة فى لجنة التأليف والترجمة والنشر .. كانوا فى حارة " الهدارة " فى عابدين .. فى بناء متهالك .. يخرجون ويطبعون مجلة الثقافة متكاملة طباعة وفنا أدبيا ، ويأتيهم نظير هذا العمل أى ربح مادى يوزع عليهم .. بل كانت التضحية متضامنة .. وروح حب الأدب للأدب كان متغلغلا فى كل نفس تكتب فى هذه المجلة .

كانت هناك مجلة للشيخ " البرقوقى " اسمها " الأديب " هذا الرجل كان يخرج المجلة وحده على نفقته الخاصة .. وكانت من أبرز وأحسن المجلات فى ذلك الوقت .. جمعت "المازنى والعقاد وصادق الرافعى وزكى مبارك" وهذا الشخص يعبر بشخصه ومجلته عن التضحية الكبرى التى لا مثيل لها للأدب البحت الخالص ".

" كان العصر كله عصر أدب خالص يتغلغل فى النفوس ويملك الأفئدة .. ويسيطر على المشاعر .. ففى هذا العصر الذهبى للأدب كان من المحامين والقضاة والأطباء والموظفين ، من يملك ناصية البلاغة فى خطبة ومذكراته ومقالاته ، وكانوا يضمنون كتاباتهم وكلامهم الآيات القرآنية وخطب بلغاء العرب .. كسحبان .. والحجاج .. وزيادة ..

ومنهم من كان يعرف من كتب التراث ما لا يعرفه الدارسون لها الآن .. والمتخصصون فى هذا الباب ..

" أما جيل اليوم من الأدباء .. لا يقرأون مثل من ذكرنا من الأدباء السالفين .. فتسعة أعشارهم لا يعرفون أدب التراث .. ولم يفتحوا فى حياتهم سطرا " للأغانى " للأصفهانى أو "صبح الأعشى" أو " عيون الأخبار " أو حتى "كليلة ودمنة" أو " الأمالى " ولا يمكن أن يخرج أديب ممسكا بالقلم ما لم يقرأ بعض هذه الكتب .. والقراءة الأدبية معدومة .. قل منهم من يجيد الإنجليزية والفرنسية لضعف هذه اللغات فى المدارس والجامعات بعد خروج الإنجليز من التدريس والفرنسيين والألمان .. وهم يقرأون لبعض وتجد صورة تكرار واضحة بوضوح مطلق .. يكررون بعضهم البعض .. ولكنى لا أنكر أنه يوجد منهم من طور الرواية والقصة .. ودرس بجهده الشخصى الكثير من الأدب العالمى واطلع عليه .. حبهم الطاغى للشهرة يجعلهم لا يتأنون فى كتاباتهم .. وليس عندهم الصبر للمداومة وتحمل المشقة التى يعانيها الفنان .. ويجرون بسرعة رهيبة إلى الحوادث الجارية فى الصحف .. كسقوط العمارات المشيدة حديثا .. والغش فى المواد الغذائية .. ومثل هذا أزمة المساكن وأزمة الطعام .

ومثل هذه الأشياء لا تعيش إلا فى جوها .. أقصد القصص .. وعاش "شكسبير" ومازلنا نقرأ له وسنظل نقرأ له .. لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. الحب .. الكراهية .. الخيانة وطبع المرأة فى كل العصور .. فهذه الأشياء خالدة ، فتظل تقرأ عنها وتقرأ لكاتبها .. ومثله عاش " ديستويفسكى " لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. عالج " الجريمة والعقاب " إلى درجة أنه قال "إن المجرم يعود إلى مكان الجريمة" وقد أصبحت هذه نظرية علمية فى علم الإجرام ، وعالجها الإيطالى " لامبروزو " بعده بخمسين سنة .. فالأديب الشفاف يتنبأ دائمًا .

" الثورة أحيطت بنفر قوى جدا من المنتفعين .. والمنتفع دائما يحب أن يتحرك فى الظلام .. فأول شىء يقومه .. هو الشخص المتنور والمتعلم الذى يأتيه هذا من الثقافة .

هو يعيش فى الظلام ليتضخم ويزداد انتفاعه .. والشعارات التى يرفعها تدخل فى عقول الجهلاء والبلهاء .. عمر ما كان المثقف يقبل هذه الشعارات ويهضمها .. فهى موجة طبيعية لطمس النور من عقول الناس .. ليقبل هزيمة 1967 ونسميها له نكسة .. هذه هزيمة .. هزيمة .. والجيش لم يحارب .. والتفكك وسوء الإدارة كانا واضحين لكل من له دراية بفنون الحرب .. فكيف تقول هذا نكسة ؟ وكيف يتقبل ذلك إلا من كان مطموس العقل ..

فموجة حب الأدب أيام الاستعمار الإنجليزى لم يستطيعوا مقاومتها ، كانت أكبر وأقوى منهم وصراع الفكر رهيب .
الفرق واضح جدا ، لم يستطع الاستعمار بكل جبروته أن يطمس روح الأدب وفنونه من أذهان الشعب .. لأن هذا كان فى صميم القلب .. أما المنتفعون والإنتهازيون للثورة استطاعوا ذلك ".

" إذا حلمنا بأحلام اليقظة ، وأصبح يوجد فى كل بيت مكتبة بالنسبة إلى مصر والعالم العربى ، وإذا حلمنا بأحلام اليقظة وأصبحت القصائد تنشر فى الصفحات الأولى من الجرائد ، مثلما كانت قصائد شوقى تنشر فى الصفحة الأولى من جريدة " البلاغ " وتدفع بتوزيع النسخ المطبوعة كلها من الجريدة فى مدى ربع ساعة ، وإذا حلمنا بأحلام اليقظة وأصبح لمقالات الكتاب من الفعالية ما كان لمقالات سلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازنى وزكى مبارك من دوى أدبى ، عندئذ يمكن أن نطمئن إلى الجو الأدبى ".
============

التقاليد السائدة فى حياتنا الأدبية والنقدية

كانت الثقافة الموجودة فى الثلاثينات والأربعينات ثقافة مزدهرة ، وكانت العناية الجدية بالنقد ..

ويقول البدوى
" عندما يكتب توفيق الحكيم " أهل الكهف .. يكتب عنه " طه حسين " و" مصطفى عبد الرازق " و" العقاد " و" المازنى " و" زكى مبارك " .. وكان فى جريدة البلاغ مخصص للنقد " المازنى " وفى " كوكب الشرق " زكى مبارك .. وكان فى " الأهرام " أحيانا ينقد الشعر أنطون الجميل نفسه .

كما كانت السبب فى وجود المنفلوطى والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد لطفى السيد .. وهذه الثقافة كانت مزدهرة نتيجة العناية الجدية المطلقة بالكتاب " .

" كما أن أديب الأمس ولظروف الحياة المادية نفسها فى ذلك الوقت .. كان روحيا ومخلصا للأدب .. وروحه متشربة لحبه إلى درجة التضحية .. " أنا شخصيا وجدت الزيات كان يعطى لكبار كتابنا فى ذلك الوقت " العقاد " و" طه حسين " خمس جنيهات ثمنا للمقالة ".

ويقول البدوى :
" بمنتهى الصراحة أقول أن النقد الذى ينشر فى صحفنا ومجلاتنا هو مجاملات شخصية لا أكثر ولا أقل ، ونادرًا ما يقوم شخص ويتحمس لنقد عمل نقدًا موضوعيا ".

" الكل يعيش حالة من الكسل الجسمانى والعقلى وينتظر أن تصل الأعمال إليهم ".

" الناقد المثالى الذى يتمتع بروح المحبة للعمل الذى يتصدى له ، والذى يبتعد عن أهوائه الشخصية وروح المجاملة " .

" ومن التقاليد السيئة أن الناقد يكتب عن الأديب وهو غاضب عليه ، فهذا ليس نقدًا موضوعيا ، ومن هذه الأمثلة كتابات طه حسين النقدية عن الدكتور زكى مبارك والمنفلوطى فهى تدل على كراهية شديدة للأديبين ، وظل طه حسين يطارد زكى مبارك فى رزقه حتى فصله من الجامعة ، وكتب عن المنفلوطى هراء ، وهناك أيضا كراهية العقاد للرافعى والذى نتج عنه كتاب "على السفود" للرافعى مع أنهما كانا اسمين كبيرين فى عالم الأدب .. ومثل ثالث هو هجوم المازنى والعقاد الشخصى على شوقى ، ومع ذلك ظل شوقى أعظم شاعر فى العربية بعد المتنبى ، فى حين لم يصبح العقاد شاعرا كبيرا لأن شعره محدود والمازنى هو الآخر طلق الشعر فى حياته .

وسأعطيك مثالا مختلفا من الخارج ، فقد كتب الناقد روبرت شوردر عن أوسكار وايلد كتابا رائعا رد فيه الاعتبار لوايلد ورد فى هذا الكتاب على ما اتهم به وايلد من انحراف خلقى .. وهى الاتهامات التى حطمت أوسكار وايلد وأودعته السجن ، فلازمه شوردر بعد السجن 15 سنة وعرفه عن قرب فى الوقت الذى كان الجمهور يضرب وايلد بالبيض .. يجب أن نتعلم ألا يكتب الناقد عن أديب ما وهو غاضب عليه .

" الشللية أفسدت الأدب عندما دخلت فيه ، ولقد عانيت من هذه الشللية لأننى لا أنتمى إلى شلة ، فأنا أكتب منذ سنة 1931 وعندما يكتب النقاد والدارسون عن تاريخ القصة القصيرة يحذفون اسمى ، أنا لا أهدى كتبى للنقاد أو المشرفين على الصفحات والمجلات الأدبية وبطبيعتى لا أميل إلى المجاملات والعلاقات الاجتماعية ، لقد رشحت لجائزة الدولة التقديرية فى الآداب ثمانى مرات ولم أفز بها . وكلما يقابلنى توفيق الحكيم يقول لى أنت الوحيد الذى أعطيت ولم تأخذ شيئا ، إننى لم أتعب فى نشر قصصى إطلاقا لأنى لا أعطى قصصى إلا لأديب ، والحمد لله فجميع كتبى نفدت وأبحث عنها الآن فلا أجدها " .

ويكفينى حب القراء لى ، وقد تعلمت من الزيات الصبر والإخلاص فى العمل وإتقانه .. وأكبر دليل على هذا أننى استطعت أن أستمر أكتب لنصف قرن رغم أن أحدا من النقاد لم يتناول كتبى فيما عدا الدكتور النساج وعلاء الدين وحيد .. وبعض المحبين من الصحفيين ، وأخيرا قدمنى الدكتور نبيل راغب عندما عرضت قصتى "القرية الآمنة" فى التليفزيون بشكل أنسانى كل الجحود القديم الذى شعرت به على مدى السنوات ، وقد قرأ الدكتور نبيل راغب كتبى وفهم روحى وفنى فى الكتابة بشكل رائع ".

" وأنصفنى من النقاد الدكتور سيد حامد النساج والدكتور عبد الحميد يونس والدكتور غالى شكرى والناقد فؤاد دوارة ".
===========
سرقة قصة
زوجتى والكلب

قال محمود البدوى بذكرياته التى نشرت بمجلة الثقافة " العدد 49 ــ أكتوبر 1977" تحت عنوان "ذكرياتى فى الأدب والحياة " :

" أثناء عملى فى مدينة السويس شاهدت رجلاً كهلاً يجلس على حافة القناة فى بورتوفيق وبجانبه كلبه .. وهو فى جلسته هذه لا يغير مكانه ، ولا نظرته إلى السفن العابرة ..
وحدثت حادثة فى منارة من منائر "مصلحة الموانى والمنائر" إذ تعارك ملاحظان فى تلك المنارة حتى سالت منهما الدماء ، وسافرت الباخرة " عايدة " ( ضربت فى الحرب العالمية الثانية ) لإحضارهما ..

وسمعت بالحادثة وأنا أعمل فى المصلحة .. فأخذ ذهنى يعمل بسرعة .. وتذكرت صورة الرجل العجوز الذى أشاهده كل صباح وأنا ذاهب وراجع من المكتب .. وتكونت قصة " رجل على الطريق " التى سرقت وتغير اسمها وأصبحت فيلما.."
سألت ابنه الأديب عن هذا الموضوع فأخبرتنى بأن هذه الواقعة تعود حوادثها إلى بداية عام 1971 حينما رن جرس التليفون بالبيت وأخبر المتحدث والدها بأن قصة فيلم "زوجتى والكلب" المعروض فى السينما هى قصة "رجل على الطريق" فذهب إلى السينما وشاهد الفيلم .

تبين للبدوى أنه يوجد تشابه وتماثل بين الفكرتين وبين الشخصيات ، فالتشابه كامل بين مكان الحوادث ( موقع الفنار فى القصة بالسويس وفى الفيلم الإسكندرية ) وما ورد فى الفيلم من وصف رجال الفنار المنقطعين عن زوجاتهم وما ينتابهم من ملل وضيق مأخوذ بوضوح من القصة .

وكذلك التشابه فى الشخصيات الرئيسية الثلاث ، شخصية الزوج الذى ترك زوجته الحسناء منفردة ، وشخصية هذه الزوجة التى تعانى من بعد زوجها عنها والزميل الذى يحمل رسالة إلى زوجة زميله فى المدينة وما ترتب عليه من قيام صراع وشك قاتلين فى نفس الزوج .

وقد ركزت القصة على وجود كلب مع الرجل الذى خان زميله ثم قتله وعاش فى عذاب من الندم وتبكيت الضمير ، وبعد خروجه من السجن قطع ما بينه وبين الناس ولم يعد يطيق إلا حيوانا أليفا وفيا لكى يعيش معه . هذه اللمحة الفنية أثرت على ناقل القصة بحيث جعلها عنوان الفيلم .

وخشى مخرج الفيلم سعيد مرزوق من افتضاح أمره فلم يقل إن القصة من تأليفه ولكن عبر عن صلته بالقصة بعبارة فكرة وسيناريو سعيد مرزوق .

* * *
جاءت إلىّ زوجتى بجريدتين ( الأخبار الصادرة فى 10/12/1971 والجمهورية الصادرة فى 29/7/ 1975) ومجلة " الكواكب " العدد 1791 الصادرة فى 26 نوفمبر 1985 .

فى جريدة الأخبار وتحت عنوان " المخرج يرد على الاتهام .. ويدافع عن نفسه .. لم أسرق قصة زوجتى والكلب .. واسألوا " عطيل " سعيد مرزوق مخرج فيلم " زوجتى والكلب " يرد على الاتهام الذى وجهه إليه محمود البدوى بأنه أخذ قصة " رجل على الطريق " المنشورة منذ سنوات وأخرجها للسينما باسم " زوجتى والكلب " بعد أن وضع عليها اسمه باعتباره المؤلف .

إن المخرج يرد عن نفسه الاتهام ، ويقول :
" أنا لم آخذ فكرة الفيلم من البدوى ، وإنما من عطيل بطل مسرحية شكسبير الشهيرة ، فالفيلم كله يدور حول شكوك زوج فى زوجته ، تتحول إلى جحيم يحطم حياته ، لأنه أولاً يعيش بحكم عمله فى فنار بعيدا عن زوجته الصبية الفاتنة ، وثانيا لأن له ماض من المغامرات مع نساء متزوجات .. وها هو الماضى يصبح عبئا ثقيلا على حاضره ، يطارده ويجعله يشك فى زوجته ويتوهم أنها تخونه مع شاب مراهق يعمل مساعدًا له ، وكان قد أرسله برسالة إلى زوجته ..

ويواصل المخرج دفاعه عن نفسه :
" بدأت فكرة الفيلم فى ذهنى ، على أساس أن يكون بطلها رجلاً يعمل فى الصحراء بعيدا عن زوجته .. ويتعذب بالشك ، وعندما عرضت الفكرة على المصور السينمائى عبد العزيز فهمى ، اقترح على أن أغير مكان عمل البطل إلى فنار منعزل على شاطئ البحر ، وفعلا ذهبت معه إلى فنار شدوان على شاطئ البحر الأحمر وكان ذلك منذ حوالى عامين وهناك أردت أن أعيش الفكرة بنفسى وأن أطابقها بالواقع من خلال الحياة اليومية لهؤلاء الناس الذين يعملون فى الفنار ، وحتى هذه اللحظة كانت فكرتى أن يكون البطل شخصا واحدا تعذب بالشك لأن شخصية عطيل كانت فى ذهنى ، ولكن عندما سافرت إلى شدوان استرعى انتباهى شاب عزب يستغرق فى أحلامه .. وبعدها قررت أن أجعل للفيلم شخصين رئيسيين : الرجل المتزوج وغريمه الشاب العزب .

وأيضا وجدت رجلاً يعمل فى هذا الفنار ومعه رسالة ، ينتظر أن يبعث بها إلى زوجته مع أحد زملائه ، عندما يسافر عائدا إلى القاهرة .

كان هذا بالنسبة لى شيئا مثيرا ، فقد كنت أعيش الواقع بتفاصيله كلها ، ولم أكن أحتاج إلى أكثر من ذلك ، فذهبت إلى الغردقة وأمضيت فيها 4 أيام، انتهيت خلالها من كتابه سيناريو فيلم " زوجتى والكلب " وأحب أن أؤكد أننى لم أتقاض مليما واحدًا من مؤسسة السينما باعتبارى مؤلفا لقصة الفيلم ، فأنا لم أكتب قصة ، ولا أدعى لنفسى أننى كاتب قصة ، بل إن الفكرة التى دارت فى رأسى ، تحولت على الورق مباشرة إلى سيناريو وحوار .

لماذا يوجه إلىَّ الاتهام إذن ، إننى لا ألوم الأديب محمود البدوى لأنه وجه لى هذا الاتهام ، فلو كنت مكانه لشعرت بالضيق لأن " بعض " ملامح قصته قد تلتقى مع بعض ملامح الفيلم .. ولكن ضيقه سوف ينتهى لو قرأ دفاعى وسوف يرى معى أن فكرة الفيلم شىء وقصته شىء آخر .

* * *

والبدوى يواصل الاتهام .. كتب مأمون غريب :
الأديب محمود البدوى يواصل اتهامه بأن قصة الفيلم مسروقة من قصته أنه يطلب هذه المرة من نقاد السينما أن يقولوا كلمتهم ، فى قضية السطو على قصته ليس لأنها قضية فردية ، ولكن لأنها قضية عامة تمس حق الأديب والمؤلف .

وقد أرسل إلى " الملحق الأدبى والفنى " هذه الرسالة :
" قرأت بعض ما كتبه النقاد عن فيلم " زوجتى والكلب " ويؤسفنى ويحز فى نفسى أن واحدا منهم لم يشر إلى قصتى "رجل على الطريق" المنشورة فى كتاب "العربة الأخيرة" طباعة "مكتبة مصر سنة 1948" ، والتى أعيد نشرها فى سلسلة الكتاب الذهبى عام 1961 . وهذا الإغفال يجعلنى على يقين إن الكتابة عن الأفلام المصرية ، أصبحت مجرد دعاية ، وأن بعض الذين يكتبون عن الأفلام لا علاقة لهم بجو الأدب وفنونه ، ومع أن صديقا من النقاد أخبرنى أنه نبه عند تقديم الفيلم فى العرض الخاص ، إن هذه القصة هى قصة محمود البدوى ، وأنه أول من كتب عن الفنار وجوه وملاحظيه باللغة العربية .." ولكنهم جميعا تناسوا هذا لسبب لا أعرفه" ، "ومما يؤلمنى أكثر من أى شىء آخر أن المنتج المنفذ للفيلم هو الصديق المصور السينمائى عبد العزيز فهمى وأن المخرج أيضا ــ وأنا أحبه ــ متفتح يجيد عمله وفنه " .

" ولا أدرى من الذى أوحى إليهم جميعا بقصتى فجعلوها على هذه الصورة " .

إنتهت رسالة محمود البدوى ، ويبقى سؤاله يتردد : أين هى كلمة النقاد ..؟

وفى جريدة الجمهورية بعددها الصادر 29/7/1975 تحت عنوان "1000 جنيه تعويض لمحمود البدوى" يقول الخبر :
" القصاص محمود البدوى حكم إبتدائيا لصالحه فى القضية التى أقامها ضد مؤسسة السينما والمخرج سعيد مرزوق الذى زعم لنفسه قصة "زوجتى والكلب" ثبت للمحكمة من تقرير الخبير ، ومن مشاهدة الفيلم ، إن الرواية المعروضة مأخوذة نصا وروحا بكامل إحداثها من قصة "رجل على الطريق" التى نشرها محمود البدوى فى مجموعته القصصية التى تحمل اسم "العربة الأخيرة" حكم للبدوى بتعويض 1000 جنيه " .

وفى حوار أجراه عزت معوض بمجلة الكواكب ونشر بالعدد 1791 فى 26 نوفمبر 1985 .

قال البدوى ..
" اسم القصة الحقيقى .. " رجل على الطريق " .. وبداية معرفتى بالواقعة أنا لى صديق عزيز هو الأستاذ "عاشور عليش" نسيب المصور الكبير "عبد العزيز فهمى" .. وعاشور عليش صديق قديم يقرأ كل كتبى وقصصى .. فواضح أنه أعطى الكتاب الذى فيه القصة للأستاذ عبد العزيز فهمى .. وعبد العزيز فهمى كان يتعامل مع "سعيد مرزوق" ويحبه .. أنا أضمن أنه حكى له القصة ، وأراد هذا أن يخرجها ويغير الاسم ويغير بعض الأشياء القليلة التى لا تغير صلب القصة .

رأيت هذا الفيلم فى سينما " مترو " .. وسمعت إشاعات من كل الناس إن هذه القصة مسروقة من " رجل على الطريق" .. فأخذت محاميا قريبا لى اسمه "شوكت التونى" وذهبنا إلى سينما مترو وشاهدنا الفيلم .. وقال لى إن القصة هى قصتك مائة فى المائة " .

ورفع الأستاذ شوكت التونى دعوى على مؤسسة السينما وعلى المخرج.. حكم القاضى لى بتعويض "ألف جنيه" .. كنت أتمنى أن يكون هذا الحكم على مؤسسة السينما .. لكن الحكم جاء على الأستاذ "سعيد مرزوق" وحده.. شعرت بالقرف ولم أنفذ الحكم .. والدعوى كانت برقم 70987 لسنة 1972 كلى شمال دائرة "2" محكمة شمال القاهرة الابتدائية والحكم صدر بالجلسة المدنية فى المحكمة فى يوم الاثنين الموافق 17/2/1975 .. وأنا قرفت بمجرد عدم الحكم على المؤسسة وهى المسئولة الأولى مائة فى المائة .. لأنها هى التى صرفت عليها وطلعتها .. فكان الأجدر بها فى ذلك الوقت أن تعيد إلى كافة حقوقى المادية والأدبية بمنطق الأخلاق والنزاهة .. وأما عن صمت النقاد .. وربما نقاد الجامعات لا يجدون فى قصصى المنهج الذى فى دماغهم سواء الرومانسية .. أو الواقعية .. أو البينوية .. كل هذه المذاهب لا تدور فى رأسى وأنا أكتب القصة " .
===========
إهداء الكتب للنقاد

كان البدوى لا يهدى كتبه للنقاد أو المشرفين على الصفحات والمجلات الأدبية ، لأنه بطبيعته لا يميل إلى المجاملات والعلاقات الاجتماعية ولا يهديها لغير أديب ، فإنه كما يقول :
" فإن جسمه وروحه لا يتحملان رد فعل فيه رفض من أى إنسان " ، كما أنه لا يعطى قصصه لنشرها فى المجلات والصحف إلا لمن يطلب منه .

ويقول .. " كانت لى طريقة غريبة فى الاختيار ، فأنا لا أتقدم قط إلى شخص ثقيل الدم ولا مغرور ".

وهذا هو السبب فى أنه طبع كتب :
(1) الرحيل .. عام 1935 بالمطبعة الرحمانية بالخرنفش .
(2) رجل .. عام 1936 بالمطبعة الرحمانية بالخرنفش .
(3) فندق الدانوب .. مطبعة النهار بالقاهرة عام 1941 . وبمكتبة مصر ومطبعتها عام 1945 .
(4) الذئاب الجائعة .. بمكتبة مصر ومطبعتها عام 1944 .
(5) العربة الأخيرة .. بمكتبة مصر ومطبعتها عام 1948 .
(6) حدث ذات ليلة .. دار مصر للطباعة عام 1953 ، طبعها على حسابه ومن قوته اليومى .
===============================

ليست هناك تعليقات: