الخميس، ٧ ديسمبر ٢٠٠٦

حياة محمود البدوى الأدبية وحياته الأدبية الجزء الثالث ص37 *

على رصيف القهوة

* مقهى رجينا والأديب محمود تيمور .
* على رصيف قهوة المسيرى بدمنهور .
* قهوة إمبريال بالإسكندرية .
* قهوة بور فؤاد .
==============
مقهى رجينا والأديب محمود تيمور

يقول البدوى .. " التقيت بمحمود تيمور لأول مرة فى مقهى " رجينا " بشارع عماد الدين .. وهو المكان المختار للأدباء والفنانين . وكان يجلس معه أمين حسونة وزكى طليمات .. وكنت أجلس مع صحبة من الأدباء الشبان فى زاوية من المقهى بالناحية الغربية .

ومقهى "رجينا" يقع فى موقع جميل من الشارع على يمين المتجه إلى محطة مصر .. وقبل عمارات الخديو بخطوات قليلة .. وكان بديع التنسيق نظيفا تغطى موائده المفارش وتتخلل أركانه أصص الزهور ..

وكنا لا نتخلف عنه ليلة واحدة لجماله وطراوة هوائه وعلى الأخص فى الصيف فهو يستقبل الهواء من بحرى بسخاء ونعومة .

وكانت الحركة الأدبية نشطة بل فى أوج نشاطها بما ينشر فى المجلات والصحف والكتب من فنون الأدب .

وذات ليلة ونحن فى مجلسنا المعتاد بالمقهى .. رأيت إنسانا أنيق الملبس والمظهر يتحرك نحونا .. وقال طه عبد الباقى بسرور .. ينبهنا ..
ــ تيمور بك .
ووقفنا وسلم علينا جميعا .

وقال فى صوت هادئ واضح النبرات :
ــ أهنئك على كتابك " رجل " . (وكنت قد أهديته له) ..
وأخص بالذكر قصة الأعمى .. أعجبتنى للغاية .

وشكرناه ووقفنا بجانبه وكنا ثلاثة أكثر من دقيقتين نتحدث
فى مجال الأدب .. ثم بارحنا ورجع إلى مكانه ..

وسألت طه فى استغراب :
ــ الرجل النبيل تحرك من مكانه بكل شهرته الأدبية ومكانته ليحيى شابا صغيرا .. ما أنبل هذا وأعظمه .

فقال طه معقبا :
ــ الرجل العظيم هو أكثر الناس تواضعا .. ولو رجعت لسير العظماء فى التاريخ ما وجدت هذا يخل بمقدار شعره...
==============

على رصيف قهوة المسيرى

تلقى محمود البدوى رسائل عديدة تبعث على الدهشة بعد صدور مجموعته القصصية " رجل " وبعضها .. كما يقول ـ " جاء من الأرجنتين ومن المهجر الأمريكى " .

وقد عجبت لهذا الاحتفاء ، والكتاب صغير الحجم ، ومؤلفه أقل منه حجما ، فى الجو الأدبى المصرى العامر فى ذلك الحين بالأفذاذ والفحول فى كل ضروب الأدب وفنونه .

وكان من بين هذه الرسائل رسالة من الأستاذ عبد المعطى المسيرى صاحب قهوة المسيرى بدمنهور .. ومن الأستاذ أمين غراب .

وكان غراب أكثر حرية وحركة لأن المسيرى يدير القهوة إلى منتصف الليل .. وغراب طليق يتردد على القاهرة لنشر قصصه ، أو لمقابلة الممثلين لأمر يتصل بعمله فى دمنهور كممثل على المسرح .

وكتب إلىّ رسالة بموعد حضوره ، واتفقنا على اللقاء فى مقهى بور فؤاد.. وانتظرته ولفراسته وقوة ملاحظته عرفنى من بين الجالسين جميعا ، دون أن يسأل شخصا ، أو أن أحمل دلالة للتعارف .

جلس فى مرح وكان متأنقا فى لبسه ، وقادما على التو من دمنهور التى كانت فى ذلك الوقت مركز نشاط أدبى كبير .. وكانت قهوة المسيرى وعلى رأسها "عبد المعطى" تجمع عشاق الأدب بكل ألوانه .

وقال لى " غراب " إنه راجع إلى دمنهور فى نفس اليوم .. بعد أن يقابل أحد الممثلين فى مقهى "نجيب الريحانى" للاتفاق على الفرقة التى ستقوم بالتمثيل على مسرح البلدية فى دمنهور يوم الخميس المقبل .

وافترقنا وظللنا نتراسل .. إلى أن أخبرته بأنى مسافر إلى الإسكندرية فى يوم كذا .. بأول قطار يتحرك فى الصباح .. وعند عودتى سأمر على دمنهور.. وألاقيه هو والأستاذ عبد المعطى فى قهوة " المسيرى " . وفى محطة دمنهور فوجئت به ، هو والأستاذ عبد المعطى على رصيف المحطة ، ولمحانى من شباك القطار وصعدا وأنزلا حقيبتى من فوق الرف ، كما أنزلانى بالقوة .

وكان المنظر مضحكا أمام الركاب .. وأنا أقاوم وأبين عذرى وهما يصران على الجذب والشد والدفع إلى سلم العربة ، دون سماع لأى عذر .

ووجدت نفسى على الرصيف ، وأنا أضحك وتحرك القطار .
وذهبنا إلى مقهى "المسيرى" وترك عبد المعطى إدارة القهوة لأحد عماله ، وجلس معنا يرحب ، ويقدم التحيات .. وسرعان ما جاء إلى القهوة أكثر من أديب دمنهورى .. وكانت دمنهور فى ذلك الوقت خلية نحل نشطة دون سائر المديريات .. وكانوا جميعا يتعاونون فى صفاء ومودة وإخلاص على طبع الكتب وإصدارها إحياء للأدب وانتعاشة دوما .. ولم تكن هناك شللية ولا ماركسية ولا تقدمية ولا رجعية ، ولا كل هذا البلاء الأزرق الذى زحف على البلاد ، وظهر فى جو الأدب فلبد سماءه الصافية بالغيوم وقتل روح الفن المعيار الأول للأدب الصادق .

ومن حقل دمنهور الأدبى الزاهر .. خرج فى نضارة ــ على ما أعرف وأذكر دون ترتيب للأسماء الأساتذة ــ أحمد محرم .. وعبد المنعم الخضرى.. ومأمون غريب.. وعبد الحليم عبد الله .. وأمين غراب .. ونظمى لوقا .. وعبد المعطى المسيرى .. ومحمد صدقى .. والنعناعى .. وغير هؤلاء ممن لا أعرف .
جلست فى قهوة المسيرى .. مع أدباء دمنهور الشبان إلى ما بعد الغروب.. نتحدث عن أساتذتنا الذين سبقونا وعلمونا وكانوا فخرا لمصر .. وأصبحوا فخرا لمصر فى كل الأزمان والعصور ــ المنفلوطى والبرقوقى .. والزيات .. وأمين الخولى .. وطه حسين .. وتوفيق الحكيم .. والعقاد .. والمازنى .. وأحمد أمين .. وعبد العزيز البشرى .. وصادق الرافعى .. وسلامة موسى .. وزكى مبارك .. ومحمد حسين هيكل .. وبيرم .. وتيمور .. وحسين فوزى .. وإسماعيل مظهر . ثم الشعراء .. شوقى .. وحافظ .. وعزيز أباظة .. وأحمد محرم .. وعبد الرحمن شكرى .. ثم من فتح الطريق للقصة والرواية .. ومهد السبيل لغيره فى براعة فنية ، ونقد لاذع للمجتمع .. محمد المويلحى .. أديب الأدباء .

دار حديثنا فى القهوة عن كل هؤلاء وغيرهم ، ثم انتقلنا إلى بيت عبد المعطى الذى قدم عشاء متنوع الطباق .. وبعدها خرجنا نتجول فى المدينة . وأبديت لغراب .. رغبتى فى أن نحجز غرفة فى أى فندق لأستريح بحريتى .. لأنى لا أحب الضيافة فى البيوت ..

وقال لى أمين :
ــ لا يوجد فى المدينة إلا فندق واحد ..
ــ لنذهب إليه ..

واتخذنا طريقنا إلى الفندق .. ولما صعدنا لنشاهد الغرف وكانت جميعها خالية .. صدمنا بما وجدنا فيها من جو خانق وقذارة .. فنزلنا سريعا .. وقد أخذت رءوسهم تفكر على التو فى المكان الذى أقضى فيه الليل .. بعد أن انقطعت كل سبل المواصلات إلى الإسكندرية ..

وساروا بى حتى خرجنا من المدينة ، وأصبحنا فى المزارع ، وشعرت بطراوة الجو ولينه وبهجة شعاع القمر .. وهو فى قمة زهوه وتألقه .

جلسنا على العشب فى شبه دائرة ، وكنا أكثر من عشرة .. وكل منا يتحدث عن المدن التى زارها فى مصر .. والتجارب التى مر بها فى حياته ، وهو يتنقل فى هذه المدن .. ووجدنا قصورًا أخجلنا .. فبعضنا لم يكن قد بعد عن موطنه مسافة فرسخ .. والغالبية لم تكن قد خرجت من مدينة دمنهور .. فمن أين تأتى التجارب .. ويزخر الرأس بالأفكار ..؟ فليسافر الأديب وليسافر ..

ونهضنا ودخلنا فى المدينة مرة أخرى .. وعلى رأس شارع صغير .. سلمت على أدباء دمنهور .. وبقى معى عبد المعطى وغراب .. وأنزلانى ضيفا فى مضيفة رجل كريم لم أعرف إسمه إلى اليوم .

وفى الصباح لمحت ظل فتاة ناضرة البياض ، قادمة من الخارج .. ووضعت على المائدة قدحًا كبيرا من اللبن وفطيرا .. ولم أشاهد منها إلا ذيل ثوبها وقد أعجبت لسواده .

وفى الضحى .. ودعت أدباء دمنهور جميعا .. وسافرت إلى الإسكندرية .. وكنت أحب الإسكندرية كثيرا فى ذلك الوقت لجمالها ونظافتها ، وقلة سكانها .. ولأنها صورة ناضرة من المدن الأوربية التى شاهدتها فى رحلتى السابقة وفتنت بها .

* * *

تكررت زيارات محمود البدوى إلى دمنهور والجلوس مع الأدباء فى مقهى المسيرى ويقول .. "كانت قهوة المسيرى منتدى أدبيا عامرا وحافلا على الدوام بالأدباء من القاهرة والإسكندرية ودمنهور ، وكان عبد المعطى قطب الدائرة والخلية منتجة ونشطة وتظهر آثارها .. فى كتاب يطبع فى دمنهور أو الإسكندرية لقربها من دمنهور .. كان المجتمع الأدبى منتجا ومفيدا .. ولم تكن اجتماعات القهوة تنتهى إلى مناقشات بيزنطية تذهب مع الريح ..

* * *

كان أدباء مقهى المسيرى يمسكون بتلابيب الشباب من الأدباء ويتحدثون عن فنهم وأثرهم فى الحياة .. ويقول الأستاذ عبد المعطى المسيرى فى مقالة المنشور بجريدة الزمان 16/11/1950 ".. وجاء دور محمود البدوى أو كما نسميه فى دمنهور محمود تشيكوف أو أنطون البدوى إشارة إلى تلك الصلة الوثيقة والتشابه العظيم بينه وأنطون تشيكوف فى بساطته وعرضه وتحليله ، ثم تعبيرا عن إعجابنا به وتقديرنا له منذ أن قرأنا أولى أعماله الأدبية قصة "الأعمى" التى فتنتنا وتجاوبت مع نفوسنا ، فلم نقنع بالتجاوب المألوف بين الكاتب الفذ والقارئ الناقد وإنما أردناها صداقة ومودة ، فكان لنا ما نريد ـ ظفرنا من صداقته بهذا الصفاء الذى يحلم به المرء وينشده ، والوفاء الذى تحن إليه النفس وتستجم فى ظله الوريف ، ثم ظفرنا بعد ذلك بالفائدة بعد المتعة، فهو الذى وضع أيدينا على القصص الروسى الخالد ، ابن الطبيعة والزوج الأبدى .. ثم ما زال يلح على المازنى ويظهر إعجابه به حتى أنشأ للمازنى مدرسة فى دمنهور .

وضحكنا طويلا عندما ذكرنا محاولته اللطيفة فى القيام بتأسيس دار للنشر باسم "مكتبة الجيب " التى أصدر عن طريقها بعض كتبه " .
============

قهوة إمبريال بالإسكندرية

كان محمود البدوى فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين يحب الإسكندرية كثيرا لجمالها ونظافتها وقلة سكانها ، وفتن بها كثيرا ، ويعشق النزول فى مياهها ، فقد كان يحب السباحة والغوص تحت الماء منذ كان طفلا صغيرا فى القرية .

ويقول .. " كان الأستاذ غراب يتردد كثيرا على الإسكندرية لقربها من دمنهور والمسافة قصيرة بكل سبل المواصلات السهلة .. فكن يحضر فى الضحى ويعود إلى دمنهور آخر الليل .

وذات ليلة التقيت به مصادفة فى محطة الرمل بالإسكندرية وكان معه الأستاذ صلاح ذهنى .. وكان الاثنان ينتظران أديبا من الإسكندرية فى مقهى إمبريال ، وقبل مجىء هذا الأديب عرفانى بأنه يتوق إلى معرفة المستشرقين ويعتز بصداقتهم كالأستاذ تيمور ليخرج أدبه من الدائرة المحلية إلى ما هو أوسع آفاقا وأرحب .

وقال أمين ضاحكا :
وستلقاه أنت الليلة على أنك مستشرق .. لأنه ما رآك من قبل ولا يعرفك.. وشعرك الأبيض الطويل سيجعله لا يشك قط .. ولا تعترض فنحن نريد أن نقضى ليلة ضاحكة .. وعلى فكرة إنه يكتب القصة أحسن منك .. وسترى..

وكان شعرى طويلا منفوشا .. وبدلتى من قطعتين وكل قطعة بلون .. ومن طراز إنجليزى خالص .. ولا كواء ، ولا تنسيق ولا منديل يطل من الجيب . ولا أناقة فى المظهر جميعه .. وبيدى حقيبة مليئة بالمذكرات والأقلام .. وسأتكلم لمدة ساعة أو ساعتين بالعربية الفصحى .

وكنا قد ضحكنا كثيرا قبل المشهد ، فلما تقابلنا مع الأستاذ "سعيد" كان الموقف كله جادًا ، ولا يمكن لمخلوق أن يكتشف فيه مظهر التمثيل .

رحب بنا الأستاذ "سعيد" وكان الترحيب بى مضاعفا ، ولاحظت أنه هادئ ، وديع ، وكريم الخلق إلى حد بعيد ، فكدت أندم ، وأكشف أوراقى لولا نظرة صارمة من صلاح ذهنى أرجعتنى إلى ما اتفقنا عليه .

وأخذت أحادثه ، وأثنى على قصصه ، وشكر الأستاذ تيمور الذى كان أول من دلنى عليه بأن بعث إلى بمجموعته القصصية .. وكم عرفنى تيمور بأدباء وقصاصين ، وأرسل إلىَّ كتبهم بالبريد دون أن يعرضوا هم .. وبذلك استطعت أن أكون فكرة شاملة عن الأدب المصرى .

وابتهج الأستاذ "سعيد" عندما سمع هذا وطار من الفرح .. وعشانا فى نفس المكان .

ولكن أمين قال له بالعامية التى لا أعرفها .
ــ الأكلة دى ما تنفعش .. ولازم تعزمه فى بيتك .. لأنه عاوز يشوف بيت مصرى .. واحنا مالناش بيوت هنا فى الإسكندرية ..

فرد سريعا :
ــ طيب فى البيت يا أخى .. بكره الغدا فى البيت .
وترجموا لى الحديث بالعربية الفصحى .. فاعتذرت وقلت :
ــ إن ميعادى مع تيمور بك غدا فى القاهرة .. وقد عرفته فى رسالتى بيوم وساعة الوصول ..

فقال غراب سريعا :
ــ سنرسل له برقية ونعرفه بأنك ستصل إلى القاهرة بعد غد فى نفس الميعاد .
واسترحنا إلى هذا المخرج .

وفى اليوم التالى كنا فى بيته .. وكان بيته من الفخامة إلى درجة أذهلتنى وجعلتنى أعجب وأتساءل كيف يخرج من هذا العز أديب ..؟ وما هى المشاكل التى يمكن أن تحرك وجدانه ..؟

وكان يتحدث بالفرنسية مع أهل بيته .. وقد شعرت بالخجل لأنه اندفع فى حماس إلى وليمة فاخرة ..

وبعد أن فرغنا من الطعام .. وضعت أمامنا صحون ملونة صغيرة ممتلئة بالماء وفى كل صحن ورده .. فتعجل أمين ووضع يده فى الصحن حتى لا نتصور أنه خشاف ونرفعه إلى فمنا .. وكان بارعا وسريع الخاطر فى هذه الحركة .
وفى اليوم الذى حددته لسفرى إلى القاهرة لمقابلة الأستاذ تيمور ، جاء الأستاذ سعيد يودعنى فى محطة "مصر" ، وكان يرافقه غراب وصلاح .

وسألنى " سعيد " بأدب قبل تحرك القطار :
ــ هل ستقابل جميع الأدباء فى القاهرة ..
ــ بالطبع .. ولهذا جئت من بلادى ..
ــ سلامى إذن إلى أستاذنا .. الزيات وأرجو أن تحرص على مقابلة .. توفيق الحكيم .. وإبراهيم المصرى .. وعبد الرحمن الشرقاوى .. وثروت أباظه .. ويحيى حقى .. ونجيب محفوظ .. وعبد الحليم عبد الله .. ويوسف جوهر .. وسعد مكاوى .. ومحمود البدوى إذا وجدته ..

فقال صلاح ذهنى وهو ينفجر من الضحك :
ــ محمود البدوى ــ ما هو واقف قدامك فى القطر يا مغفل .. وضحكنا .. وضحكنا .. وأصبح هذا الأديب الإسكندرى من أعز أصدقائى ..
================
قهوة بور فؤاد

حينما كان البدوى ينهى عمله فى المصلحة الساعة الثانية بعد الظهر ، يذهب إلى البيت . وفى المساء يذهب إلى مقهى بورفؤاد بشارع فؤاد يجتمع مع صحبة طيبة من الأدباء الشبان المتفتحين للحياة والأدب .. يقلبون فى المجلات والكتب التى كانت تصدر فى ذلك الوقت .

ويقول : " وكان يحيى حقى .. يجىء فى الإجازات إلى هذه القهوة ، وقد رأيته لأول مرة فألفيته وديعا رضيا قليل الكلام .

وفى القهوة انضم إلينا طبيب الأسنان الدكتور رمزى مفتاح والمرحوم غريب والشاعر أحمد فتحى مرسى .. ورفيقه فى زمالة الحقوق والشعر الشاعر إبراهيم طلعت .. كلما جاء من الإسكندرية لعمل فى القاهرة .

وكان الدكتور رمزى يحضر بعد انتهاء عمله فى العيادة .. وحديثنا يدور عن الكتب الجديدة .. وكان الكثير منها للعقاد والمازنى .. وكان الدكتور رمزى .. وغريب لا يحبان العقاد كشاعر وينتقصان منه .. وأنا وهلال وفتحى مرسى وطلعت .. ندافع عنه بحرارة ككاتب وشاعر من أفذاذنا ومفاخرنا .. وقال لى هلال .. » إن غريب يكره العقاد .. لأنه اشتغل فى جريدة فيها العقاد .. وكان العقاد السبب فى نقص أجره الشهرى .. فحملها له وظل يحملها » .

و" كان غريب الذى درس فى الأزهر .. متفقا فى المشارب والذوق الأدبى واختيار أروع القصص .. مع الدكتور رمزى الذى درس فى طب الأسنان بمصر .. وسافر كثيرا إلى لندن .. وليس فى هذا غرابة .. فالذوق السليم يأتى من الفطرة .. وبالسليقة ..

وكلما كان الإنسان عميق التفكير .. بعُد نظره وحسن اختياره ، ولهذا التوافق فى المشارب ، كان الاثنان لا يفترقان إلا نادرًا ، وكأنهما يلبسان ثوبا واحدًا .. وغريب مسلم .. ورمزى مسيحى .. ولكن الفنان الأصيل بطبعه .. لا يخطر على باله التعصب الدينى ولا يفكر فيه قط .. ولا يحسب حسابا لفارق الدين ..

أما المتعصب فساقط من المجموع .. ومحتقر من زمرة الأدباء وزمرة الشعراء والناس أجمعين " .
=================================

ليست هناك تعليقات: